وهل عدلت يوما رزية هالك … رزية يوم مات فيه محمد
تقطع فيه منزل الوحي عنهم … وقد كان ذا نور يغور وينجد
يدل على الرحمن من يقتدي به … وينقذ من هول الخزايا ويرشد
إمام لهم يهديهم الحق جاهدا … معلم صدق إن يطيعوه يسعدوا
عفو عن الزلات يقبل عذرهم … وإن يحسنوا فالله بالخير أجود
وإن ناب أمر لم يقوموا بحمله … فمن عنده تيسير ما يتشدد
فبينا هم في نعمة الله وسطهم (١) … دليل به نهج الطريقة يقصد
عزيز عليه أن يجوروا عن الهدى … حريص على أن يستقيموا ويهتدوا
عطوف عليهم لا يثنى جناحه … إلى كنف يحنوا عليهم ويمهد
فبينا هم في ذلك النور إذ غدا … إلى نورهم منهم من الموت مقصد
فأصبح محمودا إلى الله راجعا … يبكيه جفن المرسلات ويحمد (٢)
وأمست بلاد الحرم وحشا بقاعها … لغيبة ما كانت من الوحي تعهد
قفارا سوى معمورة اللحد ضافها … فقيد يبكيه بلاط وغرقد
ومسجده فالموحشات لفقده … خلاء له فيها (٣) مقام ومقعد
وبالجمرة الكبرى له ثم أوحشت … ديار وعرصات وربع ومولد
فبكي رسول الله يا عين عبرة … ولا أعرفنك الدهر دمعك يجمد
ومالك لا تبكين ذا النعمة التي … على الناس منها سابغ يتغمد
فجودي عليه بالدموع وأعولي … لفقد الذي لا مثله الدهر يوجد
وما فقد الماضون مثل محمد … ولا مثله حتى القيامة يفقد
أعف وأوفى ذمة بعد ذمة … وأقرب منه نائلا لا ينكد
وأبذل منه للطريف وتالد … إذا ضن معطاء بما كان يتلد
وأكرم صيتا في البيوت إذا انتمى … وأكرم جدا أبطحيا يسود
وأمنع ذروات وأثبت في العلا … دعائم عز شاهقات تشيد
وأثبت فرعا في الفروع ومنبتا … وعودا غذاه المزن فالعود أغيد
رباه وليدا فاستتم تمامه … على أكرم الخيرات رب ممجد
تناهت وصاة المسلمين بكفه … فلا العلم محبوس ولا الرأي يفند
(١) في ابن هاشم: بينهم.
(٢) في ابن هشام: حق المرسلات. والمرسلات هنا الملائكة. وتروى جن المرسلات: أي الملائكة المستور أعين الآدميين.
(٣) في ابن هشام: فيه.