ذلك المعنى، فقال: يا رسول الله، أرأيتَ رقًى نسترقيها، ودواءً نتداوى به، وتُقاةً نتقيها، هل ترد من قَدَر الله شيئًا؟ قال صلى الله عليه وسلم:«هِيَ مِنْ قَدَرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ»(١) . وكذا وقع مثل هذا لكعب بن مالك رضي الله عنه، فقال عليه الصلاة والسلام:«يَا كَعْبُ، بَلْ هِيَ مِنْ قَدَرِ اللهِ»(٢) ، فدل ذلك كلُّه على أن الرقية لا ترد القدر (٣) ، بل إن القدر شامل لحدوث المرض، وطلب الاستشفاء، وتحقيق الشفاء أو عدمه، فلا يتحقق الشفاء إلا بإذن الله وتقديره، قال تعالى:[الشُّعَرَاء: ٨٠]{وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ *} فالرقية ليست تشفي بذاتها بل الشفاء بذات الله تعالى، والله أعلم.
المسألة العاشرة: وهي آخر المسائل: يحتج بعضٌ من المعالجين بالرقى، بقولهم: هذا مجرّب نافع، فهل تكون كل رقية - جُرِّبَتْ منفعتُها - مشروعة؟!
الجواب: أن احتجاج هؤلاء بالتجريب والمنفعة، باب للفتنة في ذلك عظيم، حيث يجرُّ بعده ما لا حصر له من [المجرَّبات] ، فتستحب عندهم
(١) أخرجه الترمذيُّ؛ كتاب الطب، باب: ما جاء في الرقى والأدوية، برقم (٢٠٦٥) ، وفي كتاب القَدَر - وصحّحه -، باب: ما جاء لا ترد الرقى ولا الدواء من قَدَر الله شيئًا، برقم (٢١٤٨) ، وابن ماجَهْ؛ كتاب: الطب، باب: ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء، برقم (٣٤٣٧) . والحديث عند الحاكم في «مستدركه» (٤/٣٩٩) ، من حديث أبي خزامة بن يَعْمُر رضي الله عنه. وقد ضعفه الألباني. انظر: ضعيف ابن ماجهْ برقم (٧٤٩) . (٢) أخرجه ابن حبَّان في "صحيحه" برقم (٦١٠٠) من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه. وحسَّنه لغيره الألباني. انظر: «أحاديث مشكلة» (ص١٣ رقم ١١) . (٣) فائدة: عنون الإمام الترمذي رحمه الله: باب ما جاء لا تردّ الرقى ولا الدواء من قَدَر الله شيئًا، وهذا - ولا شك - دال على عظيم فقه الإمام رحمه الله لمعنى الحديث. لكنْ عنون ابن ماجَهْ رحمه الله - باب: ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء، فلعله بمثابة بيان - من الإمام رحمه الله - أن الرقى والأدوية هي مما قدر أن يكون سببًا للشفاء، كما قدر أن يكون الداء سببًا للمرض، والله أعلم.