القول الثّاني: لا ينبغي للمفتي أن يذكر الدَّليلَ في الفتوى مطلقاً؛ ليفرَّق بين الفتوى والتَّصنيف.
وممَّن ذهب إلى هذا: القاضي أبو الحسن الماورديُّ صاحب كتاب (الحاوي)؛ حيث قال:«إنّ المفتي عليه أن يختصر جوابه؛ فيكتفي فيه بأنّه يجوز أو لا يجوز، أو حقٌّ أو باطلٌ، ولا يعدل إلى الإطالة والاحتجاج؛ ليفرَّق بين الفتوى والتّصنيف».
قال:«ولو ساغ التّجاوز إلى قليل لساغ إلى كثير، ولصار المفتي مدرِّساً، ولكلِّ مقام مقال»(٢).
وممّا احتُجَّ به لهؤلاء: أنّ العلماء في كلِّ عصرٍ -من لدن الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم- لا يزالون يفتون العوامَّ، ويقبلون ذلك، ويعملون به من دون بيان دليل ذلك، وشاع ذلك وذاع من غير إنكار؛ فكان إجماعاً (٣).
القول الثّالث: التَّفصيل بين أن يكونَ السَّائلُ فقيهاً فيُذكر له الدَّليلُ، أو عامِّيّاً فلا يُذكر له الدليلُ.
وممّن نصّ عليه: القاضي أبو القاسم الصَّيمريُّ، والخطيبُ البغداديُّ.
قال الصيمريُّ: «لا يذكرُ الحجّةَ إن أفتى عامِّيّاً، ويذكرُها إن أفتى فقيهاً؛ كمن
(١) انظر: «إعلام الموقّعين عن ربِّ العالمين» (٤/ ٢٦٠). (٢) انظر: «أدب المفتي والمستفتي» لابن الصلاح (١/ ٧٦ - ٧٧). (٣) انظر: «التقرير والتحبير» لابن أمير الحاج (٦/ ٢٠٧)، و «إجابة السائل شرح بغية الآمل» للصنعاني (ص ٤٠٧).