وقال رَحِمَهُ الله: "فإنَّه قصد -أي: عتبان- أن يبني مسجدًا وأحب أن يكون أول من يصلى فيه النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأن يبنيه في الموضع الذي صلى فيه، فالمقصود كان بناء المسجد، وأراد أن يصلي النبي -صلى الله عليه وسلم- في المكان الذي يبنيه، فكانت الصلاة مقصودة لأجل المسجد، لم يكن بناء المسجد مقصودًا لأجل كونه صلى فيه اتفاقًا، وهذا المكان مكان قصد النبي -صلى الله عليه وسلم- الصلاة فيه ليكون مسجدًا، فصار قصد الصلاة فيه متابعة له، بخلاف ما اتفق أنه صلى فيه بغير قصد" (٢).
وهناك احتمال آخر ذكره الحافظ ابن حجر بقوله: "ويحتمل أن يكون عتبان -رضي الله عنه- إنما طلب بذلك الوقوف على جهة القبلة بالقطع" (٣).
ويظهر بهذا أن فعل عتبان إنما كان قصده التبرك بالصلاة في الموضع الذي قصد النبي -صلى الله عليه وسلم- الصلاة فيه، ولا شك في جواز ذلك، أما ما صلى فيه اتفاقًا بدون قصد فلا يجوز جعله مسجدًا ولا التبرك بالصلاة فيه.
ثم إن البركة المشروعة في حديث عتبان هي بركة متابعته في الصلاة التي صلاها في تلك البقعة لا أن يتبرك بذات البقعة من جلوس وتمسح وغير ذلك، وإنما البركة محصورة في صلاته فيها كما صلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وعليه يحمل بعض كلام أهل العلم ممن صرح بجواز التبرك بآثار النبي -صلى الله عليه وسلم- كما صرح بذلك ابن عبد البر حيث قال: "وفيه التبرك بالمواضع التي صلى فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ووطئها وقام عليها" (٤).
(١) تلخيص كتاب الاستغاثة (٢/ ٥٢٧). (٢) مجموع الفتاوى (١٧/ ٤٦٨)، وانظر: اقتضاء الصراط المستقيم (ص ٣٨٧). (٣) فتح الباري (١/ ٥٢٢). (٤) التمهيد لابن عبد البر (٦/ ٢٢٨).