نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " فأنت وذاك "، فتناول سعد بن معاذ الصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب، ثم قال: ليجهدوا علينا". (١)
وجه الشاهد: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عدل عن رأيه لرأي سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة وترك ما كان قد رغب فيه من المصالحة على ثلث ثمار المدينة مقابل الانسحاب من حلف اليهود.
[٤ - حصار الطائف]
في حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - قال: " لما حاصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الطائف فلم ينل منهم شيئا قال:" إنا قافلون إن شاء الله، فثقل عليهم وقالوا نذهب ولا نفتحه، فقال: " أغدوا على القتال
فغدوا فأصابهم جراح، فقال: إنا قافلون غداً إن شاء الله، فأعجبهم فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - ". (٢)
وجه الشاهد: عمل النبي - صلى الله عليه وسلم - برأي الأغلبية، وعدوله عن رأيه لرأيهم؛ مما يدل على مشروعيته. وهكذا نجد السيرة النبوية مليئة بالشواهد على مشاورة النبي ص لأصحابه وأخذه برأي أغلبيتهم؛ حتى قال أبو هريرة - رضي الله عنه -: " ما رأيت أحدا قط كان أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ". (٣)
الفقرة الرابعة: عمل الفقهاء.
بالنظر في تراثنا الفقهي يجد الباحث أن العمل بالكثرة معتمد لدى الفقهاء في ترجيحاتهم عند اختلاف الأقوال الفقهية الاجتهادية، وينطبق هذا ابتداء من الصحابة.
قال ابن القيم: " فإن كان الأربعة - يقصد الخلفاء الراشدين- في شق فلا شك أنه صواب، وإن كان أكثرهم في شق فالصواب فيه أغلب ". (٤)
وروي عن علي - رضي الله عنه - أنه قال: " استشارني عمر في أمهات الأولاد (يعني الإماء) فأجمعت أنا ... وهو على عتقهم، ثم رأيت بعد أن أُرقهم فقال له عبيدة (وهو عبيدة السلماني- تابعي-) رأي ذوي عدل أحب ألينا من رأي عدل وحده ". (٥)
(١) المرجع نفسه، ج ٤، ص ١٨٠ - ١٨١. (٢) صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة الطائف، ج ٥، ص ١٩٨، برقم ٤٣٢٥. (٣) مصنف عبد الرزاق: أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني، تح: حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي: بيروت، ط (٢) ١٤٠٣ هـ، ج ٥، ص ٣٣٠، برقم ٩٧٢٠، ومسند أحمد: حديث المسور بن مخرمة، ج ٣١، ص ٢٤٤، برقم ١٨٩٢٨. (٤) إعلام الموقعين: ابن القيم، ج ٤، ص ١٢٢. (٥) العدة في أصول الفقه: محمد بن الحسين محمد الفراء، تح: أحمد بن علي المباركي، ط (٢) ١٤١٠ هـ-١٩٩٠ م، ج ٤، ص ١٣٠١.