[ولادة إسماعيل بمكة وقصة زمزم]
ولمّا وهب جبار القرية (ملك مصر) هاجرَ إلى ِسَارَّةَ بِنْتِ عَمِّ الْخَلِيلِ وكانت سارّة يَئِسَتْ مِنَ الْوَلَدِ؛ وهبت سارةُ هاجرَ الْقِبْطِيَّةَ الْمِصْرِيَّةَ لِإِبْرَاهِيمَ، فَوَلَدَتْ له هَاجَرُ إِسْمَاعِيلَ، فَغَارَتْ سَارَّةُ مِنْهَا و اشْتَدَّتْ غَيْرَةُ سَارَةَ مِنْ هاجر، وَطَلَبَتْ مِنَ الْخَلِيلِ أَنْ يُغَيِّبَ وَجْهَهَا عَنْهَا. وإنَّ أَوَّلَ مَا اتَّخَذَ النِّسَاءُ الْمِنْطَقَ مِنْ قِبَلِ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ (١)، اتَّخَذَتْ مِنْطَقًا لَتُعَفِّيَ أَثَرَهَا عَلَى سَارَةَ، ثُمَّ جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ - عليه السلام - وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُرْضِعُهُ، حَتَّى وَضَعَهُمَا فِي وِهَادِ جِبَالِ فَارَانَ، وَهِيَ الْجِبَالُ الَّتِي حَوْلَ مَكَّةَ عِنْدَ الْبَيْتِ، عِنْدَ دَوْحَةٍ (٢) فَوْقَ زَمْزَمَ، فِي أَعْلَى الْمَسْجِدِ (٣) وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ، وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ، فَوَضَعَهُمَا هُنَاكَ، وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ، وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ، ثُمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا، فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ، فَقَالَتْ: يَا إِبْرَاهِيمُ، أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ؟، فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا، وَجَعَلَ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ لَهُ: اللهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا؟، قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: إِذَنْ لَا يُضَيِّعُنَا، ثُمَّ رَجَعَتْ، فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ، حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ حَيْثُ لَا يَرَوْنَهُ، اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الْبَيْتَ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ وَدَعَا بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ، فَقَالَ: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ، رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَلَاةَ، فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ، وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} (٤)، وَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تُرْضِعُ إِسْمَاعِيلَ، وَتَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ، حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا فِي السِّقَاءِ عَطِشَتْ، وَعَطِشَ ابْنُهَا، وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ يَتَلَوَّى، فَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَوَجَدَتْ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ فِي الْأَرْضِ يَلِيهَا، فَقَامَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْ الْوَادِيَ تَنْظُرُ، هَلْ تَرَى أَحَدًا؟، فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَهَبَطَتْ مِنْ الصَّفَا، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ الْوَادِيَ رَفَعَتْ طَرَفَ دِرْعِهَا، ثُمَّ سَعَتْ سَعْيَ الْإِنْسَانِ الْمَجْهُودِ حَتَّى جَاوَزَتْ الْوَادِيَ، ثُمَّ أَتَتْ الْمَرْوَةَ، فَقَامَتْ عَلَيْهَا، وَنَظَرَتْ هَلْ تَرَى أَحَدًا؟، فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ، فَذَلِكَ سَعْيُ النَّاسِ بَيْنَهُمَا،
(١) وهي: هَاجَرُ. والْمِنْطَق: مَا يُشَدّ بِهِ الْوَسَط. فَشَدَّتْ هاجر بِهِ وَسَطَهَا وَهَرَبَتْ وَجَرَّتْ ذَيْلَهَا لِتُخْفِيَ أَثَرَهَا عَلَى سَارَةَ، وَاسْتَمَرَّتْ غَيْرَةُ سَارَّةَ إِلَى أَنْ كَانَ إِخْرَاجُ هاجرَ وَوَلَدِهَا إِلَى مَكَّةَ، ثم َوَلَدَتْ سَارَّةُ بَعْدَ أربعة عشر عاماً إِسْحَاقَ.(٢) الدوحة: الشَّجَرَة الْكَبِيرَة. وكانت بَيْنَ موضع البئر وَبَيْنَ الصَّفَا.(٣) أَيْ: مَكَان الْمَسْجِد، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بُنِيَ حِينَئِذٍ.(٤) ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمَهُ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ». وفيه مكان البيت الْمُعَظَّمُ عِنْدَ الْأَنْبِيَاءِ مَوْضِعُهُ مِنْ لَدُنْ آدَمَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute