يعظ تعالى عباده بذكر حال المحتضر عند السياق (١) ، وأنه إذا بلغت روحه التراقي، وهي العظام المكتنفة لثغرة النحر، فحينئذ يشتد الكرب، ويطلب كل وسيلة وسبب، يظن أن يحصل به الشفاء والراحة، ولهذا قال:{وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ} أي: من يرقيه من الرقية لأنهم انقطعت آمالهم من الأسباب العادية، فلم يبق إلا الأسباب الإلهية (٢) . ولكن القضاء والقدر، إذا حتم وجاء فلا مرد له، {وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ} للدنيا. {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ} أي: اجتمعت الشدائد والتفت، وعظم الأمر وصعب الكرب، وأريد أن تخرج الروح التي ألفت البدن (٣) ولم تزل معه، فتساق إلى الله تعالى، حتى يجازيها بأعمالها، ويقررها بفعالها.
فهذا الزجر، [الذي ذكره الله] يسوق القلوب إلى ما فيه نجاتها، ويزجرها عما فيه هلاكها. ولكن المعاند الذي (٤) لا تنفع فيه الآيات، لا يزال مستمرا على بغيه وكفره وعناده.
{فَلا صَدَّقَ} أي: لا آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره {وَلا صَلَّى وَلَكِنْ كَذَّبَ} بالحق في مقابلة التصديق، {وَتَوَلَّى} عن الأمر والنهي، هذا وهو مطمئن قلبه، غير خائف من ربه، بل يذهب {إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى} أي: ليس على باله شيء، توعده بقوله:{أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} وهذه كلمات وعيد، كررها لتكرير وعيده، ثم ذكر الإنسان بخلقه الأول، فقال:{أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} أي: معطلا (٥) ، لا يؤمر ولا ينهى، ولا يثاب ولا يعاقب؟ هذا حسبان باطل وظن بالله بغير ما يليق بحكمته.
{أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ} بعد المني {عَلَقَةً} أي: دما، {فَخَلَقَ} الله منها الحيوان وسواه أي: أتقنه وأحكمه، {فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأنْثَى أَلَيْسَ ذَلِكَ} الذي خلق الإنسان [وطوره إلى] هذه الأطوار المختلفة {بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} بلى إنه على كل شيء قدير. تم تفسير سورة القيامة، ولله الحمد والمنة، وذلك في ١٦ صفر سنة ١٣٤٤ (٦) .
المجلد التاسع من تيسير الكريم الرحمن في تفسير القرآن لجامعه الفقير إلى الله: عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي غفر الله له ولوالديه وللمسلمين آمين.
تفسير سورة هل أتى على
الإنسان وهي مكية
(١) في ب: بذكر المحتضر حال السياق. (٢) في ب: فتعلقوا بالأسباب الإلهية. (٣) في ب: أن تخرج الروح من البدن الذي ألفته. (٤) كذا في ب، وفي أ: التي. (٥) في ب: أي مهملا. (٦) في ب: والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وسلم.