اللَّهُ مِنْهُمْ إِنْسَانًا إِلَّا مَلَأَ عَيْنَهُ تُرَابًا بِتِلْكَ الْقَبْضَةِ، فَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ، فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَقَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنَائِمَهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ (١) .
قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَمَدَّ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَسُوِّمِينَ (٢) .
وَفِي الْخَبَرِ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي نَضَرٍ يُقَالُ لَهُ شَجَرَةُ، قَالَ لِلْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ الْقِتَالِ: أَيْنَ الْخَيْلُ الْبُلْقُ وَالرِّجَالُ الَّذِينَ عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ بِيضٌ، مَا كُنَّا نَرَاكُمْ فِيهِمْ إِلَّا كَهَيْئَةِ الشَّامَةِ وَمَا كُنَّا قُتِلْنَا إِلَّا بِأَيْدِيهِمْ؟ فَأَخْبَرُوا بِذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: تِلْكَ الْمَلَائِكَةُ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَبَلَغَنِي أَنَّ شَيْبَةَ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ (٣) قَالَ: اسْتَدْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَأَنَا أُرِيدُ قَتْلَهُ بِطَلْحَةَ بْنِ عُثْمَانَ وَعُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ، وَكَانَا قَدْ قُتِلَا يَوْمَ أُحُدٍ، فَأَطَلَعَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا فِي نَفْسِي فَالْتَفَتَ إِلَيَّ وَضَرَبَ فِي صَدْرِي وَقَالَ: أُعِيذُكَ بِاللَّهِ يَا شَيْبَةُ، فَأَرْعَدَتْ فَرَائِصِي، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ سَمْعِي وَبَصَرِي، فَقُلْتُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَطْلَعَكَ عَلَى مَا فِي نَفْسِي.
فِلْمًا هَزَمَ اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ وَوَلَّوْا مُدْبِرِينَ، انْطَلَقُوا حَتَّى أَتَوْا أَوَطَاسَ وَبِهَا عِيَالُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ رَجُلًا مِنَ الْأَشْعَرِيِّينَ يُقَالُ لَهُ أَبُو عَامِرٍ وَأَمَّرَهُ عَلَى جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى أَوَطَاسَ، فَسَارَ إِلَيْهِمْ فَاقْتَتَلُوا، وَقُتِلَ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ، وَهَزَمَ اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ وَسَبَى الْمُسْلِمُونَ عِيَالَهُمْ، وَهَرَبَ أَمِيرُهُمْ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ النَّصْرِيُّ، فَأَتَى الطَّائِفَ فَتَحَصَّنَ بِهَا وَأُخِذَ مَالُهُ وَأَهْلُهُ فِيمَنْ أُخِذَ. وَقُتِلَ أَمِيرُ الْمُسْلِمِينَ أَبُو عَامِرٍ (٤) .
قَالَ الزُّهْرِيُّ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُمْ أَصَابُوا يَوْمَئِذٍ سِتَّةَ آلَافِ سَبْيٍ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى الطَّائِفَ فَحَاصَرَهُمْ بَقِيَّةَ ذَلِكَ الشَّهْرِ، فَلَمَّا دَخَلَ ذُو الْقِعْدَةِ وَهُوَ شَهْرٌ حَرَامٌ انْصَرَفَ عَنْهُمْ، فَأَتَى الْجِعْرَانَةَ فَأَحْرَمَ مِنْهَا بِعُمْرَةٍ وَقَسَّمَ فِيهَا غَنَائِمَ حُنَيْنٍ وَأَوْطَاسَ، وَتَأَلَّفَ أُنَاسًا، مِنْهُمْ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، وَالْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، فَأَعْطَاهُمْ (٥) .
(١) أخرجه مسلم في الموضع السابق، برقم (١٧٧٧) : ٣ / ١٤٠٢.(٢) عزاه السيوطي لابن أبي حاتم. الدر المنثور: ٤ / ١٦١.(٣) انظر: سيرة ابن هشام: ٢ / ٤٤٤.(٤) سيرة ابن هشام: ٢ / ٤٤٩، ٤٥٣، طبقات ابن سعد: ٢ / ١٥١-١٥٢.(٥) انظر: إمتاع الأسماع للمقريزي: ١ / ٤٢٢-٤٢٣.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute