وإن من دلائل النبوة حمايةُ الله لأنبيائه، وإنجاؤه لمن شاء منهم من أيدي أعدائهم، رغم ما يتربص بهم السفهاءُ من السوء.
ولقد قال نوح عليه السلام متحدياً كفارَ قومه:{يا قوم إن كان كبُر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمرُكم عليكم غُمةً ثم اقضوا إليّ ولا تنظِرون}(يونس:٧١)، فلم يصلوا إليه بسوء لحماية الله له.
ومثله قول أخيه هود - صلى الله عليه وسلم -: {قال إني أُشهِد الله واشهدوا أني بريءٌ مما تشركون - من دونه فكيدوني جميعًا ثم لا تنظرون - إني توكلت على الله ربي وربكم}(هود: ٥٤ - ٥٦).
ولما أراد السفهاء قتل إبراهيم عليه السلام، وألقوه في النار أنجاه الله منها بقدرته وفضله {قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين - قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم - وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين}(الأنبياء: ٦٨ - ٧٠).
وكذا كان الحال مع نبينا - صلى الله عليه وسلم -، فقد أنجاه الله من المؤامرات التي واجهتْه من لدن بعثتِه عليه الصلاة والسلام، وقد أخبره الله وأنبأه بسلامتِه من كيدهم وعدوانهم، فقال له:{يا أيها الرسول بلِّغ ما أُنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلَّغت رسالته والله يعصمك من الناس}(المائدة: ٦٧).
قال ابن كثير:"أي بلغ أنت رسالتي، وأنا حافظُك وناصرُك ومؤيدُك على أعدائك ومُظفِرُك بهم، فلا تخف ولا تحزن، فلن يصل إليك أحدُ منهم بسوء يؤذيك". (١)
تقول عائشة رضي الله عنها: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُحرس حتى نزلت هذه الآية:{والله يعصمك من الناس}(المائدة: ٦٧)، فأخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأسَه من القبة، فقال لهم:((يا أيها الناس، انصرفوا عني، فقد عصمني الله)). (٢)
(١) تفسير القرآن العظيم (٣/ ١٤٣). (٢) رواه الترمذي ح (٣٠٤٦)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ح (٢٤٨٩).