وقول الماتريدية بأن الله تعالى خالق أفعال العباد خيرها وشرها هو القول الحق الذي دل عليه السمع والعقل وهو قول أهل السنة والجماعة وسلف الأمة لكن بالنسبة لعلاقة العباد بأفعالهم فقد حاولت الماتريدية التوسط بين قول المعتزلة وقول الجبرية فقالوا أفعال العباد مخلوقة لله تعالى وهي كسب من العباد. قال الماتريدي "إن حقيقة ذلك الفعل الذي هو للعباد من طريق الكسب ولله من طريق الخلق" (٢).وقال أبو المعين النسفي: " وعندنا فعل العبد هو مخلوق الله تعالى ومفعوله والله تعالى هو الذي يتولى إيجاده وإخراجه من العدم إلى الوجود والعبد اكتسبه وباشره .... " (٣).وقال الناصري: " وأما قولهم: وأفعال العباد خلق الله وكسب من العباد. ومعنى قولهم: خلق الله تعالى أي مخلوقة لله تعالى وهي كسب من العباد " (٤).وقال صاحب (مميزات مذهب الماتريدية): فمذهب أهل الحق أن الله تعالى خالق لأفعال العبد كلها وهو كاسب في أفعال الاختيار"(٥).وقد اختلفت عباراتهم في بيان معنى الكسب (٦) وحاصل كلامهم أن المؤثر في أصل الفعل قدرة الله تعالى والمؤثر في صفة الفعل قدرة العبد وتأثير العبد هذا هو الكسب عندهم. يوضح هذا البياضي بقوله:"أصل الفعل بقدرة الله والاتصاف بكونه طاعة أو معصية بقدرة العبد وهو مذهب جمهور الماتريدية"(٧) وهم يقصدون بهذا أن الله تعالى لا يخلق فعل العبد إلا بعد أن يريده العبد ويختاره وقد نصوا على ذلك. قال أبو المعين النسفي:" وما يخترعه (أي الله تعالى) فيه (أي في العبد) باختيار العبد ذلك وله عليه قدرة فأثر تعلق قدرته به كونه فعلا له فيكون الله تعالى مخترعا فعل العبد باختياره لولا اختيار العبد وقصده اكتسابه لما خلقه الله تعالى فعلا له ... "(٨).وقال صدر الشريعة في (التوضيح): " جرت عادته تعالى أنا متى قصدنا الحركة الاختيارية قصدا جازما من غير اضطرار إلى القصد يخلق الله عقيبه الحالة المذكورة الاختيارية وإن لم نقصد لم يخلق ... "(٩).