للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بأرض مصر في مملكة فرعون، وهم موسى الاجتماع لهما والرخوج من أرض مصر فسار في البرية غير عارف بطرقها ولا معالمها، غير أنه يؤم الغرب ويجع الشرق، ويرى أنه الوجه إلى أرض مصر، فلم يزل كذلك حتى ألجأه المسير إلى جانب الطور الأيمن في البقينة المباركة، في عشية شاتيه شديدة البرد والظلمة، فعمد إلى زنده فقحها فلم تنور شيئاً ولم تزدد إلا نداوة، وكان عهده أن زنده لا يقدح بها إلا مرة حتى تنور فيها النار، فلما آيس مه تركه.

ولما عند موسى عليه الصلاة والسلام - وعلى نبينا - نحو النار التي رأى وانتهى إليها، رأى ناراً عظيمة تتوقد من فرع شجرة خضراء، سديدة الخضرة، يقال لها العليق، لا تزداد النار فيما يرى إلا عظماً وتضرماً، ولا تزداد الشجرة على شدة الحريق إلا خضرة وحسناً، فأعجبته ولا يدري على ما يضع أمرها، إلا أنه ظن أهها شجرة تحترق، أوقد إليها موقد قبالها، وأنه ظن أنها تمنع النار أن تحرقا شدة خضرتها وكثرة مائها، فوقف وهو يرجو أن يسقط منها شيء يقتبسه، فلما طال ذلك عليه ارتم إليها ضغثاً من رقاق الحطب والشيح، ثم أهوى به ليقتبس من لهبها، فلما فعل ذلك مالت إليه كأنها تريده، فاخر عنها وهابها، ثم عاد فطاف بها، فلم تزل تطعمه ويطمع بها، ويطوف حولها، ثم لم يك شيء بأوشك من طرفة عين من خمودها حتى كأن لم تكن، فعند ذلك أعجبه شأنها، ونظر في أمرها وتدبر فقال: نار توق في جوف شجرة لا تحرقها! وتمنعه فلا يقتبس منها، ثم خمدوها على قدر عظمها في أوشك من طرفة عين! إن لهذه لشأنا! فوضع أمرها على أنها مأمورة، أو مصنوعة لا تدري لما أمرت ولا من أمرها، ولا لمن

<<  <  ج: ص:  >  >>