في ذلك ما يوجب أن يكون ذلك دليلًا على نبوته ولا حُجَّةَ له على رسالته، ولا كان الذين أنكروا حقيقه ذلك من أهل الشرك كانوا يدفعون به عن صدقه فيه إذ لم يكن منكرًا عندهم ولا عند أحد من ذوى الفطرة الصحيحة من بني آدم أن يرى الرائي منهم في المنام ما على مسيرة سنة فكيف ما هو على مسيرة شهر أو أقل، وبعد فإن الله إنما أخبر في كتابه أنه أسرى بعبده ولم يخبرنا أنه أسرى بروح عبده وليس جائز لأحد أن يتعدى ما قال الله إلى غيره، فإن ظن ظان أن ذلك جائز إذ كانت العرب تفعل ذلك في كلامها كما قال قائلهم:
حسبت بغام راحلتي عناقًا … وما هي ويب غيرك بالعناق
وقال ابن إسحاق: فالله أعلم أي ذلك كان، قد جاءه وعاين فيه ما عاين من أمر الله تعالى على أي حالة كان، نائمًا، يقظانًا، كل حق وصدق اهـ.
وأجاب عليه ابن كثير فقال: وقد توقف ابن إسحاق في ذلك وجوّز كلا من الأمرين من حيث الجملة، ولكن الذي لا يشك فيه ويتمارى أنه كان يقظان لا محالة، لما تقدم، وليس مقتضى كلام عائشة ﵂ أن جسده ﷺ ما فُقِدَ، وإنما كان الإسراء بروحه لا أن يكون منامًا - كما فهمه ابن إسحاق - بل قد يكون وقع الإسراء بروحه حقيقة، ويقظة لا منامًا، لعل هذا مراد عائشة أم المؤمنين ﵂ ومراد من تابعها على ذلك، لا ما فهمه ابن إسحاق من أنهم أرادوا بذلك المنام والله أعلم ا هـ "البداية والنهاية"(٢/ ١٣٧ - ط. دار الغد العربي).
* تنبيه: قول المؤلف: "ولكن عرج بروحه" هو نفس لفظ الزمخشري في تفسيره. والصواب ما تقدم عند ابن هشام وابن جرير. وأشار إلى هذا ابن كثير وابن حجر.
٦٢٩ - قوله:"وعن الحسن كان في المنام رؤيا رآها"(٤/ ٢٢١٠).
أشار إليه ابن كثير في "تفسيره"(٣/ ٢٣) نقلًا عن ابن إسحاق، حيث قال بعد أثر عائشة المتقدم: لم ينكر ذلك من قولها لقول الحسن أن هذه الآية نزلت في ذلك: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾ غير أنه ورد عن الحسن