للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المذكورة وصحبته جماعة من الأمراء المقدمين الذين كانوا بمصر، منهم الأمير طقطباي نائب القلعة والأمير أرزمك الناشف وآخرون من الأمراء … فتوجه لفتح السد وكان يوما مشهودا. فلما فتح السد عاد الأمير الدوادار إلى بيته في موكب حافل، وقدامه الأمراء بالشاش والقماش، وجماعة من المباشرين. فلما فتح السد جرى الماء في الخلجان بعزم قوي، وسر الناس في ذلك اليوم بوفاء النيل قبل ميعاده، وقد قيل في المعنى

تمتع بماء النيل قبل وفائه … فقد طاب منه الشرب وهو لنا طب

وقد سكبت منه الجنادل فيضها … فأضحى بلا شك حلاوته سكب

ومن الحوادث أن الأمير الدوادار نائب الغيبة منع الناس أن يسكنوا الجسر الذي ببركة الرطلي والخلجان قاطبة، وعمل جسرا على خليج الزربية عند موردة الجبس، فآل أمر الجزيرة الوسطى إلى الخراب. فلم يكن بها بيت، ولا فتح فيها دكان، ومنع المقاصفية أن ينصبوا مقصفا في الجسر، ولا في الزربية، فلم يكر في الجسر ولا في الزربية بيت ولا دكان، ولم يسكن المسطاحي ولا حكر الشامي ولا الزربية، وصارت بيوت بركة الرطلي خاوية على عروشها ولا سيما بيوت أولاد الجيعان وبيت كاتب السر وغير ذلك من بيوت الأعيان، فحصل للناس في هذه السنة غاية الأنكاد بسبب ذلك، وخسر الناس كراء بيوتهم.

وأشيع سد خوخة الجسر، فتلطف القاضي بركات بن موسى المحتسب بالأمير الدوادار في أن يسمح للناس في دخول المراكب على العادة، وأن يسكنوا الجسر فأبى من ذلك، وقال:

إن العوام يفسدون نساء الأغوات المسافرين صحبة السلطان في هذه النيلية، واستمر مصمما على منع ذلك.

ثم في أواخر النيلية شفع القاضي بركات بن موسى في خمسة مراكب للبياعين أن تدخل في البركة على العادة، فدخل الحلواني والجبان والفاكهاني والعداس والسويخاتي لا غير، فأقاموا أياما يسيرون فلم يجدوا من يبيعون عليه، فمضوا إلى حال سبيلهم.

واستمرت بركة الرطلي ليس بها ديار ولا نافخ نار، فعند ذلك عمل الشيخ بدر الدين الزيتوني هذه المرثية اللطيفة في واقعة الحال فقال:

سألت إله العرش ينعم بالنصر … لسلطاننا الغوري فهو أبو النصر

مليك عزيز أشرف ومظفر … مؤيد دين ظاهر كامل القدر

لغيبته أضحى على الكون وحشة … فها بركة الرطلي مدمعها يجري

يحق لنا نرثي المقاصف بالبكا … خصوصا من المسطاح مع لذة الجسر

<<  <  ج: ص:  >  >>