يختارونه … ففعلوا مثل ذلك بخط المقس وخط باب البحر وسويقة اللبن بالحسينية وسوق الدريس وخط بركة الرطلي وغير ذلك من الأماكن والخطط، ففعلوا في هذه الحركة ما لم يفعله هناد، من وجوه الظلم والفساد، وهم يزعمون أن في ذلك نفعا للمسلمين في عمارة الدروب. فجبوا من هذه الحركة مالا له صورة، ولم يصرفوا منه إلا القليل.
ثم حسنوا للوالي عبارة بأن يجبى من جامع ابن طولون إلى مشهد السيدة نفيسة إلى آخر السوق الطولوني على جميع الأملاك والدكاكين التي هناك، وزعموا أنهم ينشئون سورا على حدرة ابن قميحة إلى باب القرافة، وزعموا أن ذلك يمنع هجمة العربان على حين غفلة، وكل هذا حيلة على أخذ مال الناس. فشرعوا في كتب أسماء الدكاكين والأملاك التي بتلك الحارات الطولونية والقرافية فلما بلغ الأمير الدوادار زجر ألماس وحط عليه. وكان أشاع ذلك على لسان الأمير الدوادار فحلف الأمير الدوادار أيمانا مغلظة أنه ما له علم بذلك، وأبطل هذه الحادثة المهولة فدعا له الناس قاطبة.
ثم أن جماعة حاجب الحجاب قصدوا أن ينشئوا مظلمة أخرى، وهي أنهم يجبون من سكان بركة الرطلي مالا له صورة بسبب قطع الطين الذي في فم البركة، فإنه كان قد علا جدا حتى امتنع دخول المراكب للبركة، ولما بلغ الأمير الدوادار ذلك أبطل هذه الفعلة أيضا ورسم بسد فم البركة رأسا حتى لا تدخل إليها المراكب.
وفي يوم السبت تاسع عشره حضر الأمير الدوادار وكان قد توجه إلى الفيوم ليكشف عن الجسر الذي عمره الأمير بخشباي هناك، فكشف عليه وعاد بعد أيام.
وفي غيبة السلطان كان الأمير الدوادار يركب كل يوم ومعه الأمراء العشراوات الذين بمصر ويسيرون نحو المطرية وبركة الحاج، فإذا رجع يدخل من باب النصر، وقدامه الجم الكثير من الأمراء والعسكر، وكل هذا لأجل العرب والفلاحين حتى لا يظنوا أنه ما بقي في مصر عسكر ولا يطمعوا في أمر العامة، وكان هذا من الآراء الحسنة.
وفي يوم الاثنين حادث عشري جمادى الآخرة الموافق لسابع عشري أبيب كان وفاء النيل المبارك، وفتح السد يوم الثلاثاء ثناء عشريه الموافق الثامن عشري أبيب، وقد وفي قبل دخول مسري بأربعة أيام، وكان للناس مدة طويلة من سنة خمس وأربعين وثمانمائة ما رأوا النيل وفي سابع عشري أبيب إلا في تلك السنة. فنصف منادي البحر هذه الكلمات:"يا حبيب اهنا وطيب، النيل أوفى في أبيب، وقد بقينا في هنا، يا فرحنا". وكلمات أخر غير ذلك.
فلما وفي النيل توجه الأمير طومان باي الدوادار نائب الغيبة لفتح السد فنزل في مركب الحراقة وتوجه إلى المقياس وخلق العمود. ثم نزل من المقياس في الحراقة