تضاعفت عظمته إلى الغاية وصار في مقام نظام الملك وهو المتصرف في أمور المملكة، والأمير الدوادار الكبير معه كاللولب يديره كيف يشاء.
وفي تلك الليلة أيضا خلع على الأمير ألماس، وقرره والي القاهرة وأوصاه بحفظها وعدم الظلم، وخلع على الأمير ماماي المحتسب ورسم له بالسفر معه إلى حلب، فرجع الأمير الدوادار من عند السلطان وشق من الصليبة في موكب حافل وقدامه المنادون ينادون بالأمان والاطمئنان والبيع والشراء، وأن لا أحد من الناس يمشي من بعد العشاء بسلاح، ولا يشوس مملوك ولا غلام على مسبب، وأن من كانت له ظلامة أو حق شرعي على أحد ولم يدفعه له فعليه بباب الدوادار فارتفعت له الأصوات من الناس بالدعاء. وكان الأمير الدوادار محببا للرعية والفقراء، قليل الأذى في حق الناس. ولما شق الصليبة شق في موكب حافل وقدامه السعاة والسقاؤون والجم الكثير من الناس والأتباع والمماليك السلطانية، وتوجه إلى منزله في ذلك الموكب، وقد قلت في ذلك:
لقد شرف الأكوان نائب غيبة … أمير دوادار إلى النهي والأمر
كريم شجاع في المعامع فارس … له نصرة في الحرب بالبيض والسمر
إذا ما اشتكى المظلوم من جور ظالم … له طلعة بالعدل تؤذن بالفجر
فيا رب كن عونا له ومساعدا … على كل ما يغشاه من حادث الدهر
وأبق ابن موسى للرعية أنه … كليم زكي القلب أمن من السحر
جناب كريم ثم ناظر حسبة … ومولده قد كان في ليلة القدر
وللسادة الأشراف ينظر بالتقي … ونال بهذا غاية الفوز بالأجر
وصار لديوان الذخيرة ناظرا … وعامله في أعناق أعدائه يبري
عزيز بمصر حاز طلعة يوسف … أعوذه بالنجم والنور والحشر