للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي يوم الأحد عاشره نزل السلطان وعدى إلى بر الجيزة وعرض جمال الأمير خاير بك كاشف الغربية الذي توفي، ثم عاد وطلع إلى القلعة ودخل إلى قاعة البيسرية، وعرض في ذلك اليوم بكاير وقرقلات وجواشن وغير ذلك أشياء كثيرة من آلات السلاح من حواصل الذخيرة.

وفي يوم الاثنين حادي عشره عمل السلطان المولد النبوي الشريف على العادة ونصب الخيمة العظيمة التي صنعها الملك الأشرف. وكانت هذه الخيمة كهيئة قاعة فيها لواوين ثلاثة وفي وسطها قبة على أربعة أعمدة، قيل: لم يعمل في الدنيا قط لها نظير وهي من قماش ملون، وهذه الخيمة كان لا ينصبها إلا ثلثمائة رجل من النواتية، وقيل: إن مصروفها ستة وثلاثون ألف دينار، فنصبها بالحوش ونصب الشربدارية في الحوش أحواض جلد مملوءة بالماء الحلو وعلقوا شوكات بالكيزان الفاخرة، وزينوا بالأواني الصيني والطاسات النحاس، وأوسعوا في زينة الشرابخانة الزينة الفاخرة أكثر من كل سنة. ثم جلس السلطان في الخيمة، وحضر الأتابكي سودون العجمي وسائر الأمراء من المقدمين وغيرهم وحضر القضاة الأربعة وأعيان الناس والمباشرون والوعاظ على العادة ثم مدوا السماط وقد أوسع في أمره. وكان مولودا مشهودا أبهج مما تقدم من الموالد الماضية.

وفي ذلك اليوم توفي قاضي القضاة محيي الدين ابن النقيب رحمة الله عليه، وهو محيي الدين عبد القادر بن علي بن مصلح الشافعي … وكان يقرب للخواجا شمس الدين بن قضا الجوهري، وكان من أهل العلم والفضل، لكنه كان جافي النفس، وينسب إلى شح زائد وله في ذلك الأمير أخبار شنيعة لم تذكر هنا لكنها شائعة بين الناس، ومات وله من العمر نحو الثمانين سنة. وكان سبب موته أنه كان يمشي في الأسواق بقبقاب سجك فتوجه إلى خان الخليلي فرفسه فرس فوقع على فخذه فانكسر، فحملوه إلى خلوته التي في المدرسة المنصورية فأقام بها أياما ومات. وكان منفصلا عن القضاء وقد ولي منصب القضاء ست مرات، ونفد منه في هذه الست ولايات ستة وثلاثون ألف دينار، وكانت إقامته في الست ولايات نحو سنتين، وكان قليل الحظ عند الناس قاطبة، وكان يسعى على القضاة المتولين ولا يزال عليهم حتى يعزلهم زكريا، وقاضي القضاة ابن أبي شريف وقاضي القضاة القلقشندي وقاضي القضاة عماد الدين الطويل وبدر الدين المكيني وعلاء الدين بن النقيب، وكان يسعى بجملة من الأموال ولا يقيم في منصب القضاة غير أشهر ثم يعزل، فنفد منه مال له صورة على هذه الطريقة. وقد قلت في ذلك مداعبة لطيفة:

منصب الحكم في القضا قال لما … كشف الله ما به من هموم

<<  <  ج: ص:  >  >>