وأما إذا باع السلعةَ لغير البائع الأوَّل بيعًا بتاتًا (١)، فهي مسألة (١٥٣/ أ) التوَرُّق؛ لأن مقصوده الورق، وكان عمر بن عبد العزيز يكرهه، وقال: التورُّق آخِيَّة (٢) الربا. وإياس بن معاوية يُرخِّص فيه، وعن الإمام أحمد في ذلك روايتان، وأشار في رواية الكراهة إلى أنه مضطرٌّ.
ولعل قوله [- صلى الله عليه وسلم -]: "إنّما الرِّبا في النسيئة"(٣) إشارة إلى هذا ونحوه، وهو كما يُقال: إنما العالم زيد، و: لا سيفَ إلا ذو الفقار، يعني: أنه هو الكامل في بابه.
وروي عن ابن عباس أنه قال:"إذا استقمتَ بنقد فبعت بنقد فلا بأس، وإذا استقمتَ بنقد فبعتَ بنسيئة فلا خير فيه، تلك ورق بورق" رواه سعيد وغيره (٤).
وهذا شأن المورِّقين، فإن الرجل يأتيه فيقول: أُريد ألف درهم فيخرج له سلعة تُسَاوي ألفًا، وهذا هو الاستقامة، يقال: أقمتُ السلعة وقومتها واستقمتها بمعنًى، وهي لغة مكيَّة بمعنى التقويم (٥).
(١) كذا في الأصل و (م)، و"بيان الدليل": "باتًّا". (٢) الآخِيَّة: بالمدّ والتشديد، حبل مثل العروة التي تشدّ إليها الدابة، واستعير هنا لشدة شبه التورق بالربا. (٣) أخرجه البخاري رقم (٢١٧٩)، ومسلم رقم (١٥٩٦) من حديث أسامة بن زيد - رضي الله عنهما -. (٤) أخرجه عبد الرزاق: (٨/ ٢٣٦). (٥) انظر: "الصحاح": (٥/ ٢٠١٧).