فقد قال بعد ذلك: {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٦٦)} [البقرة: ٦٦]، قالوا: للمتقين من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، فلا تفعلوا مثل فعالهم. فحقيق بالمؤمن أن يحذر استحلال محارم الله بأدنى الحِيَل، وأن يعلم أن ذلك أشد (١) أسباب العقوبة.
ومن العجب العُجاب: أن هذه الحيلة التي احتالها أصحاب السبت في الصيد قد فعلها طوائف من المفتِيْن، حتى تعدَّى ذلك إلى الحنبلية، فقالوا: إن الرجل إذا نصب شبكةً قبل أن يُحْرِم ليقع فيه الصيد بعد إحرامه ثم أخذه بعد حِلِّه لم يَحْرُم، وهذه بعينها حيلة أصحاب السبت. وفي ذلك تصديق قوله تعالى:{فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا}[التوبة: ٦٩]، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لتتبعنَّ سَنَنَ من كان قبلكم حَذْو القُذَّة بالقذة ... " الحديث (٢)، وهو صحيح.
وهذا كله يدلّ على أن الحِيَل من أعظم المحرمات في دين الله تعالى.
الوجه الخامس: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّما الأعمالُ بالنياتِ وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى، فمن كانت هِجْرته إلى اللهِ ورسوله فهجرتُه إلى اللهِ ورسولِه ... " الحديث (٣).
(١) "الإبطال": "من أشد". (٢) أخرجه البخاري رقم (٣٤٥٦)، ومسلم رقم (٢٦٦٩) من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -. (٣) أخرجه البخاري رقم (١)، ومسلم رقم (١٩٠٧) من حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -.