فوثب عمر يمشي إلى جنبه ويقول، اصبر فإنما هم المشركون، وإنما دم أحدهم كدم كلب.
قال الخطابي: تأول العلماء ما وقع في قصة أبي جندل على وجهين:
أحدهما: أن الله تعالى قد أباح التقية للمسلم إذا خاف الهلاك، ورخص له أن يتكلم بالكفر مع إضمار الإيمان إن لم تمكن التورية، فلم يكن رده إليهم إسلاما لأبي جندل إلى الهلاك، مع وجود السبيل إلى الخلاص من الموت بالتقية.
والوجه الثاني: إنما رده إلى أبيه، والغالب أن أباه لا يبلغ به إلى الهلاك, وإن عذبه أو سجنه فله مندوحة بالتقية أيضا.
وأما ما يخاف عليه من الفتنة فإن ذلك امتحان من الله تعالى يبتلي به صبر عباده المؤمنين.
قد عقنا بيننا وبين القوم صلحا وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله وإنا لا نغدر بهم". قال "فوثب عمر" بن الخطاب مع أبي جندل "يمشي إلى جنبه ويقول: اصبر" يا أبا جندل، "فإنما هم المشركون، وإنما دم أحدهم كدم الكلب" ويدني قائم السيف يقول عمر رجوت أن يأخذ السيف فيضرب به أباه، قال: فضن الرجل بأبيه ونفذت القضية انتهى كلام ابن إسحاق. "قال الخطابي تأول العلماء ما وقع في قصة أبي جندل على وجهين أحدهما أن الله تعالى قد أباح التقية للمسلم" أي ما يبقى به نفسه مما ظهره كفر، "إذ خاف الهلال ورخص له أن يتكلم بالكفر"، أو يفعل ما ظاهره كفر كسجود لصنم "مع إضمار الإيمان" بأن يصمم عليه بقلبه، فقال تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} فالمكره غير مكلف "إن لم تمكن التورية" لعدم معرفتها أو قبولهم لها، "فلم يكن رده إليهم إسلاما لأبي جندل إلى الهلاك" أي تسليطا لهم عليه وتخذيلا له "مع وجود السبيل إلى الخلاص من الموت بالتقية". "والوجه الثاني إنه إنما رده إلى أبيه، والغالب أن أباه لا يبلغ به إلى الهلاك" لما جبلت عليه النفوس من محبة الولد "وإن عذبه أو سجنه فله مندوحة" بفتح الميم أي سعة وفسحة "بالتقية أيضا"، فليس رده لأبيه طريقا للهلاك، لأنه يمكن أن يوافقهم على الكفر ظاهرا، وقلبه مطمئن بالإيمان فيسلم من الهلاك والتعذيب، "وأما ما يخاف عليه من الفتنة فإن ذلك امتحان من الله يبتلي به صبر عباده المؤمنين" أي يتحنهم ليظهر بذلك صبرهم للناس, فالابتلاء سبب لظهور الصبر لا ليعلمه إذ لا يعزب عن علمه شيء.