خرجت خارجةٌ من أصحابه، فلقُوا رجلًا، فقالوا: ما الخبر؟ فقال: قُتل نَعْثَل (١) عدوُّ الله، وهذه خَصْلةٌ من شعره. فحمل عليه زُفر بن الحارث الكلابي -وهو يومئذٍ غلام [مع] مجاشع بنِ مسعود- فقتله، فكان أوَّلَ قتيلٍ قتل في دم عثمان ﵁، فرجع مجاشع إلى البصرة.
فلما رأى ذلك ابنُ عامر حَمَلَ ما في بيت المال، واستخلفَ على البصرة عبدَ الله بنَ الحضرميّ، ثم شَخَصَ إلى مكة، فَوافَى بها طلحةَ والزُّبير وعائشة ﵂، وهم يُريدون الشام، فأشارَ عليهم بالبصرة، وقال: إن لي بها صنائعَ وأموالًا، فساروا إليها.
فلما كان من أمر الجمل ما كان، وهُزم الناس؛ قال عبد الله بن عامر للزُّبير ﵁: أَنْشُدُكَ اللهَ في أمَّةِ محمد، فلا أُمَّةَ (٢) محمد بعد اليوم.
وقُتل الزُّبير ﵁، وقُتل عبدُ الرحمن بنُ عبد الله بن عامر، وسار ابنُ عامر، فنزلَ دمشقَ، ولم يزل مع معاوية بالشام، ولم يُسمع له بذكر في صفِّين.
ولما بايعَ معاويةَ الحسنُ بن عليّ ﵉؛ ولَّى بُسْرَ بنَ أبي أَرْطاة البصرة، ثم عزلَه، فقال له ابنُ عامر: إنَّ لي بها ودائعَ عند قوم، فإنْ لم تُولِّني إيَّاها ذهَبَتْ. فولَّاه البصرةَ، فأقامَ بها ثلاث سنين، وكان ممدوحًا (٣).
وفيه يقول زياد بن الأعجم:
أخٌ لك لا تَراهُ الدهرَ إلا … على العَلَّات بَسَّامًا جَوادا
أخٌ لك ما مَودَّتُهُ بِمَذْقٍ … إذا ما عادَ فَقْرُ أخيهِ عادا
سألناهُ الجزيلَ فما تلَكَّا … وأَعْطَى فوقَ مُنْيَتِنا وزادا
وأَحْسنَ ثمَّ أَحْسنَ ثمَّ عُدْنا … فأَحْسَنَ ثمَّ عُدْتُ له فعادا
مِرارًا ما رجعتُ إليه إلا … تَبَسَّمَ ضاحكًا وثَنَى الوسادا (٤)
(١) أي: عثمان ﵁، ونَعْثَل اسم لرجل لِحياني كان يُشبَّهُ به عثمان ﵁ إذا نِيل منه. قاله الفيروزآبادي في "القاموس".
(٢) في (ب) و (خ): فلأمة. والمثبت من "طبقات" ابن سعد ٧/ ٥٣، و"مختصر تاريخ دمشق" ١٢/ ٢٨٨. ولم يرد الخبر في (م).
(٣) في (ب): ممدَّحًا.
(٤) الأبيات في "تاريخ دمشق" ٦/ ٤٧٤ (مصورة دار البشير، ترجمة زياد الأعجم) وفيه في البيت الأخير: السوادا، بدل: الوسادا.