فسكت رسول الله ﷺ عنهم، فقام فدخل فقال ناس: يأخذ بقول أبي بكر، وقال أناس: يأخذ بقول عمر، وقال ناس: يأخذ بقول ابن رواحة. ثم خرج عليهم، فقال:"إنَّ الله لَيُلَيِّنُ قُلوبَ رجالٍ فيه حتى تكونَ أَلينَ من اللَّبَنِ، وإنَّ الله لَيُشدِّدُ قلوبَ رجالٍ فيه حتى تكونَ أشدَّ من الحجارَةِ، وإن مثَلَك يا أبا بَكرٍ، مَثَل إبراهيمَ ﵇ قال: ﴿فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [إبراهيم: ٣٦] ومَثَلك يا أبا بكرٍ، مَثَل عِيسَى ﵇ ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ﴾ قال:[المائدة: ١١٨] الآية. ومَثَلك يا عمرُ، مَثَل نوحٍ ﵇ إذ قال: ﴿رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾ [نوح: ٢٦] ومَثَلك يا عُمر، كمَثَل موسَى ﵇ ﴿رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾:[يونس: ٨٨] الآية". ثم قال رسول الله ﷺ:"أَنتُمُ اليومَ عَالةٌ، فلا يُفلِتنَّ أحدٌ إلا بِفِداءٍ أو ضَربِ عُنُقٍ".
قال ابن مسعود: فقلت: إلا سهيل بن بيضاء، فإني رأيته أو سمعته يذكر الإسلام. فسكت رسول الله ﷺ، فما رأيتني في يوم أخْوَفَ من أن يقع عَليَّ الحجارة من السماء من ذلك اليوم، فقال رسول الله ﷺ:"إلا سُهيلَ بن بَيضَاءَ" وأنزل الله: ﴿لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ﴾ الآية، إلى قوله: ﴿عَظِيمٌ﴾ (١)[الأنفال: ٦٨].
وقد أكثر الشعراء في غزاة بدر، قال أمية بن أبي الصلت (٢): [من مجزوء الكامل]
هَلَّا بَكَيتَ على الكِرَا … مِ بني الكِرامِ أُولي المَمَادِحْ
كَبُكا الحَمامِ على فُرُو … عِ الأَيكِ بالصبح الجوانح (٣)
يبكين حَرَّى مُستكِيـ … ناتٍ يَرُحْنَ مع الرَّوائح
أمثالُهنَّ الباكِيَا … تُ المُعْولاتُ مع النوائح
ماذا بِبَدْر والعَقَنْـ … ــــقَلِ من مَرازبةٍ جَحاجح
القائلين الفاعليـ … ن الآمرين بكل صالح
فلقد تنكَّر بطن مكّةَ … فَهْيَ مُوحِشَةُ الأَباطح
لله دَرُّهم فكم … من أيِّم فيهم وناكح
(١) أخرجه الطبري في "تاريخه" ٢/ ٤٧٦ - ٤٧٧، وهو مروي عن عدد من الصحابة بروايات مختلفة انظرها في "السيرة الشامية" ٤/ ٩١. (٢) الأبيات في "السيرة" ٢/ ٢٧٢ - ٢٧٧. (٣) كذا في النسخ، وفي "السيرة": "في الغصن".