بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ أَيْ: بِئْسَ مَثَلًا مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ، عَلَى أَنَّ التَّمْيِيزَ مَحْذُوفٌ، وَالْفَاعِلُ المفسّر به مضمر، ومثل الْقَوْمِ هُوَ الْمَخْصُوصُ بِالذَّمِّ، أَوْ مَثَلُ الْقَوْمِ فَاعِلُ بِئْسَ، وَالْمَخْصُوصُ بِالذَّمِّ الْمَوْصُولُ بَعْدَهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ: مَثَلُ الَّذِينَ كَذَّبُوا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْصُولُ صِفَةً لِلْقَوْمِ، فَيَكُونَ فِي مَحَلِّ جَرٍّ، وَالْمَخْصُوصُ بِالذَّمِّ مَحْذُوفٌ، وَالتَّقْدِيرُ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الْمُكَذِّبِينَ مَثَلُ هَؤُلَاءِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ يَعْنِي عَلَى الْعُمُومِ، فَيَدْخُلُ فيهم اليهود دخولا أوّليا قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ الْمُرَادُ بالذين هادوا الذين تَهَوَّدُوا، وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ ادَّعَوُا الْفَضِيلَةَ عَلَى النَّاسِ، وَأَنَّهُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ، كَمَا فِي قَوْلِهِمْ: نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ «١» وَقَوْلُهُمْ:
لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى «٢» فَأَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ رَسُولَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ لَمَّا ادَّعَوْا هَذِهِ الدَّعْوَى الْبَاطِلَةَ: فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ لِتَصِيرُوا إِلَى مَا تَصِيرُونَ إِلَيْهِ مِنَ الْكَرَامَةِ فِي زَعْمِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فِي هَذَا الزَّعْمِ، فَإِنَّ مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَحَبَّ الْخُلُوصَ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ. قَرَأَ الجمهور:
فَتَمَنَّوُا بضم الواو، وقرأ ابن السميقع بِفَتْحِهَا تَخْفِيفًا، وَحَكَى الْكِسَائِيُّ إِبْدَالَ الْوَاوِ هَمْزَةً. ثُمَّ أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَّهُمْ لَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ أَبَدًا بِسَبَبِ ذُنُوبِهِمْ، فَقَالَ: وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ أَيْ: بِسَبَبِ مَا عَمِلُوا مِنَ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي وَالتَّحْرِيفِ وَالتَّبْدِيلِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ يَعْنِي عَلَى الْعُمُومِ، وَهَؤُلَاءِ الْيَهُودُ دَاخِلُونَ فِيهِمْ دُخُولًا أَوَلِيًّا. ثُمَّ أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ رَسُولَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ بِأَنَّ الْفِرَارَ مِنَ الْمَوْتِ لَا يُنْجِيهِمْ وَأَنَّهُ نَازِلٌ بِهِمْ، فَقَالَ: قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ لَا مَحَالَةَ، وَنَازِلٌ بِكُمْ بِلَا شَكٍّ، وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَإِنَّهُ دَاخِلَةٌ لِتَضَمُّنِ الِاسْمِ مَعْنَى الشَّرْطِ، قَالَ الزَّجَّاجُ: لَا يُقَالُ إن زيدا فمنطلق، وها هنا قَالَ: «فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ» لِمَا فِي مَعْنَى «الَّذِي» مِنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، أَيْ: إِنْ فَرَرْتُمْ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ، وَيَكُونُ مُبَالَغَةً فِي الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ الْفِرَارُ مِنْهُ. وَقِيلَ: إِنَّهَا مَزِيدَةٌ، وَقِيلَ: إِنَّ الْكَلَامَ قَدْ تَمَّ عِنْدَ قَوْلِهِ: تَفِرُّونَ مِنْهُ ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ: فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ. ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ وَذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ مِنْ الْأَعْمَالِ الْقَبِيحَةِ وَيُجَازِيكُمْ عَلَيْهَا.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْحَاكِمُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ مَيْسَرَةَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَكْتُوبَةٌ فِي التَّوْرَاةِ بِسَبْعِمِائَةِ آيَةٍ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ أَوَّلُ سُورَةِ الْجُمُعَةِ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسِبُ» . وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ نَزَلَتْ سُورَةُ الْجُمُعَةِ فَتَلَاهَا، فَلَمَّا بَلَغَ: وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِنَا؟ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَ الْإِيمَانُ بِالثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنْ هَؤُلَاءِ» . وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِهِ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ: «لَوْ كَانَ الْإِيمَانُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَذَهَبَ بِهِ رجال
(١) . المائدة: ١٨.(٢) . البقرة: ١١١.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute