وقوله تعالى وَقُولُوا حِطَّةٌ [الآية ٥٨] أي: «قولوا»«لتكن منك حطة لذنوبنا» ، كما تقول للرجل:«سمعك إليّ» . كأنّهم قيل لهم:
قولوا:«يا ربّ لتكن منك حطّة لذنوبنا» . وقد قرئت نصبا، على أنّه بدل، من اللفظ بالفعل. وكلّ ما كان بدلا من اللفظ بالفعل، فهو نصب الفعل، كأنّه قال:«احطط عنّا حطّة»«٣» فصارت بدلا من «حطّ» ، وهو شبيه بقولهم:«سمع وطاعة» ، فمنهم من يقول:«سمعا وطاعة» ، إذا جعله بدل:
«أسمع سمعا وأطيع طاعة» . وإذا رفع، فكأنّه قال:«أمري سمع وطاعة» . قال الشاعر [من الطويل وهو الشاهد الثامن والسبعون] :
أناخوا بأيدي عصبة وسيوفهم ... على أمّهات الهام ضربا شاميا
وقال الاخر «٤»[من الوافر وهو الشاهد التاسع والسبعون] :
تركنا الخيل وهي عليه نوحا ... مقلّدة أعنّتها صفونا «٥»
وقال بعضهم:«وهي عليه نوح» ، جعلها في التشبيه هي النوح، لكثرة ما كان ذلك منها، كما تقول:«إنّما أنت شرّ» و «إنّما هو حمار» في الشّبه، أو تجعل الرفع، كأنّه قال:«وهي عليه صاحبة نوح» ، فألقى الصاحبة، وأقام النوح مقامها. ومثل ذلك قول الخنساء «٦»[من البسيط وهو الشاهد الثمانون] :
(١) . هو رأي سيبويه «اللسان» «شكع» . (٢) . في الصحاح «سلا» ، والجامع ١: ٤٠٨، والبحر ١: ٢٠٥، نقلت آراء الأخفش في «السلوى» و «دفلى» و «سلامى» و «شكاعى» . (٣) . في إعراب القرآن ١: ٥٠ والجامع ١: ٤١٠، نقلت آراء الأخفش هذه. (٤) . هو عمرو بن كلثوم التغلبي. (٥) . هو من معلّقته المستفيضة الشهرة. وقد جاء في مجاز القرآن ١: ٤٠٤، ب «تظل جياده نوحا عليه» ورفع أعنتها» ، وفي شرح القصائد السبع ٣٨٩، وشرح القصائد التسع ٢: ٦٣١، وشرح القصائد العشر ٢٢٧، وشرح المعلّقات السبع ١٤٦، ب «عاكفة عليه» ونصب «أعنّتها» . (٦) . هي تماضر بنت عمرو بن الشريد وانظر ترجمتها في الأغاني ١٣: ١٣٥، وطبقات الشعراء ١: ٢١٠، والشعر والشعراء ١: ٣٤٨.