معناهُ؛ فإنَّ ظاهرَه إباحةُ كلِّ الأعمال لهم وتخييرُهم فيما شاؤوا منها، وذلك ممتنعٌ.
فقالتْ طائفةٌ منهم ابن الجوزيِّ (١): ليس المرادُ من قولِهِ: "اعْمَلوا": الاستقبال، وإنَّما هو للماضي، وتقديرُهُ: أيُّ عمل كان لكم؛ فقد غَفرتُهُ. قال: ويَدُلُّ على ذلك شيئانِ: أحدُهما: أنَّه لو كان للمستقبل؛ كان جوابُهُ قولَه: سأَغْفِر لكم. والثاني: أنه كان يكونُ إطلاقًا في الذُّنوبِ، ولا وجه لذلك.
وحقيقةُ هذا الجوابِ: أني قد غَفرتُ لكم بهذه الغزوةِ ما سلف من ذُنوبكم.
لكنه ضعيفٌ من وجهين:
أحدُهما: أنَّ لفظ (اعملوا) يأباه؛ فإنه للاستقبال دون المُضِيِّ. وقولُه:"قَدْ غَفَرْتُ لكُم" لا يُوجِبُ أن يكون (اعملوا) مثلَه؛ فإنَّ قوله:"قَدْ غَفَرْتُ" تحقيقٌ لوقوع المغفَرةِ في المستقبل؛ كقولهِ: ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ﴾ [النحل: ١]، ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ﴾ [الفجر: ٢٢]، ونظائره.
الثاني: أن نفسَ الحديثِ يَرُدُّه؛ فإنَّ سببَه قصةُ حاطبٍ وجَسُّه (٢) على النبيِّ ﷺ، وذلك ذنبٌ واقعٌ بعد غزوةِ بدرٍ لا قبلَها، وهو سببُ الحديث؛ فهو مرادٌ منه قطعًا.
فالذي نظنُّ في ذلك -والله أعلمُ- أنَّ هذا خطابٌ لقوم قد عَلِمَ الله سبحانه أنَّهم لا يفارقون دينهم، بل يموتون على الإسلام، وأنَّهم قد
(١) انظر "كشف مشكل الصحيحين" (١/ ١٤٢)، ونقله الحافظ في "الفتح" (٨/ ٦٣٥). (٢) ط: "تجسسه"، وكلاهما بمعنى.