ينضاف إليها أمر آخر من الوجوه العشر: فَهَذِهِ سُورَةُ" الْكَوْثَرِ" ثَلَاثُ آيَاتٍ قِصَارٍ، وَهِيَ أَقْصَرُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ، وَقَدْ تَضَمَّنَتِ الْإِخْبَارَ عَنْ مُغَيَّبَيْنِ: أَحَدُهُمَا الْإِخْبَارُ عَنِ الْكَوْثَرِ وَعِظَمِهِ وَسِعَتِهِ وَكَثْرَةِ أَوَانِيهِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُصَدِّقِينَ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ أَتْبَاعِ سَائِرِ الرُّسُلِ. وَالثَّانِي الْإِخْبَارُ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَقَدْ كَانَ عِنْدَ نُزُولِ الْآيَةِ ذَا مَالٍ وَوَلَدٍ، عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ قَوْلُهُ الْحَقُّ:" ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً. وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُوداً. وَبَنِينَ شُهُوداً. وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً «١» " ثُمَّ أهلك الله سبحان مَالَهُ وَوَلَدَهُ، وَانْقَطَعَ نَسْلُهُ. وَمِنْهَا التَّصَرُّفُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَسْتَقِلُّ بِهِ عَرَبِيٌّ، حَتَّى يَقَعَ مِنْهُمُ الِاتِّفَاقُ مِنْ جَمِيعِهِمْ عَلَى إِصَابَتِهِ فِي وَضْعِ كُلِّ كَلِمَةٍ وَحَرْفٍ مَوْضِعَهُ. وَمِنْهَا: الْإِخْبَارُ عَنِ الْأُمُورِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ في أول الدنيا إلى وقت تزوله مِنْ أُمِّيٍّ مَا كَانَ يَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ، وَلَا يَخُطُّهُ بِيَمِينِهِ، فَأَخْبَرَ بِمَا كَانَ مِنْ قِصَصِ الْأَنْبِيَاءِ مَعَ أُمَمِهَا، وَالْقُرُونِ الْخَالِيَةِ فِي دَهْرِهَا، وَذَكَرَ مَا سَأَلَهُ أَهْلُ الكتاب عنه، وتحدوه به من قصص أَهْلِ الْكَهْفِ، وَشَأْنِ مُوسَى وَالْخَضِرِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَحَالِ ذِي الْقَرْنَيْنِ، فَجَاءَهُمْ وَهُوَ أُمِّيٌّ مِنْ أُمَّةٍ أُمِّيَّةٍ، لَيْسَ لَهَا بِذَلِكَ عِلْمٌ بِمَا عَرَفُوا مِنَ الْكُتُبِ السَّالِفَةِ صِحَّتَهُ، فَتَحَقَّقُوا صِدْقَهُ. قَالَ الْقَاضِي ابْنُ الطَّيِّبِ: وَنَحْنُ نَعْلَمُ ضَرُورَةَ أَنَّ هَذَا مِمَّا لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ إِلَّا عن تعلم، وإذا كَانَ مَعْرُوفًا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُلَابِسًا لِأَهْلِ الآثار، وحملة، الأخبار، والا مترددا إلى المتعلم منهم، ولا كان منن يَقْرَأُ فَيَجُوزُ أَنْ يَقَعَ إِلَيْهِ كِتَابٌ فَيَأْخُذُ منه، علم أَنَّهُ لَا يَصِلُ إِلَى عِلْمِ ذَلِكَ إِلَّا بِتَأْيِيدٍ مِنْ جِهَةِ الْوَحْيِ. وَمِنْهَا: الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ، المدرك بالحسن فِي الْعَيَانِ، فِي كُلِّ مَا وَعَدَ اللَّهُ سبحان، وَيَنْقَسِمُ: إِلَى أَخْبَارِهِ الْمُطْلَقَةِ، كَوَعْدِهِ بِنَصْرِ رَسُولِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَإِخْرَاجِ الَّذِينَ أَخْرَجُوهُ مَنْ وَطَنِهِ. وإلى مُقَيَّدٍ بِشَرْطٍ، كَقَوْلِهِ:" وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ «٢» " ... " وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ «٣» " ... " وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً «٤» " وَ" إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ «٥»، وَشِبْهُ ذَلِكَ وَمِنْهَا: الْإِخْبَارُ عَنِ الْمُغَيَّبَاتِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ الَّتِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا إِلَّا بِالْوَحْيِ، فمن ذلك:
(١). راجع ج ١٩ ص ٧٠.(٢). راجع ج ١٨ ص ١٦١.(٣). راجع ج ١٨ ص ١٣٩.(٤). راجع ج ١٨ ص ١٥٧.(٥). راجع ج ٨ ص ٤٤.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute