ابن مَسْعُودٍ يَقُولُ: مَنْ يَقُمُ الْحَوْلَ يُصِبْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ. فَقَالَ: يَغْفِرُ اللَّهُ لِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ! لَقَدْ عَلِمَ أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَأَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَلَّا يَتَّكِلَ النَّاسُ، ثُمَّ حَلَفَ لَا يَسْتَثْنِي «١»: أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ. قَالَ قُلْتُ: بِأَيِ شي تَقُولُ ذَلِكَ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ؟ قَالَ: بِالْآيَةِ الَّتِي أَخْبَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ بِالْعَلَامَةِ أَنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ يَوْمَئِذٍ لَا شُعَاعَ لَهَا. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَخَرَّجَهُ مُسْلِمٌ. وَقِيلَ: هِيَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ دُونَ سَائِرِ الْعَامِ، قَالَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُ. وَقِيلَ: هِيَ فِي لَيَالِي السَّنَةِ كُلِّهَا. فَمَنْ عَلَّقَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ أَوْ عِتْقَ عَبْدِهِ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، لَمْ يَقَعِ الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ إِلَّا بَعْدَ مُضِيِّ سَنَةٍ مِنْ يَوْمِ حَلَفَ. لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِيقَاعُ الطَّلَاقِ بِالشَّكِّ، وَلَمْ يَثْبُتِ اخْتِصَاصُهَا بِوَقْتٍ، فَلَا يَنْبَغِي وُقُوعُ الطَّلَاقِ إِلَّا بِمُضِيِ حَوْلٍ. وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ، وَمَا كَانَ مِثْلُهُ مِنْ يَمِينٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَنْ يَقُمُ الْحَوْلَ يُصِبْهَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عُمَرَ، فَقَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! أَمَا إِنَّهُ عَلِمَ أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَلَّا يَتَّكِلَ النَّاسُ. وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّهَا فِي جَمِيعِ السَّنَةِ. وَقِيلَ عَنْهُ: إِنَّهَا رُفِعَتْ- يَعْنِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ- وَأَنَّهَا إِنَّمَا كَانَتْ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا بَاقِيَةٌ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا: أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ فِي يَوْمٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، كَانَتْ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ فِي يَوْمٍ آخَرَ. وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا فِي كُلِّ عَامٍ مِنْ رَمَضَانَ. ثُمَّ قِيلَ: إِنَّهَا اللَّيْلَةُ الْأُولَى مِنَ الشَّهْرِ، قَالَهُ أَبُو رَزِينٌ الْعُقَيْلِيُّ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ إِسْحَاقَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: هِيَ لَيْلَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ، وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي كَانَتْ صَبِيحَتَهَا وَقْعَةُ بَدْرٍ. كَأَنَّهُمْ نَزَعُوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ»
[الأنفال: ٤١]، وَكَانَ ذَلِكَ لَيْلَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ، وَقِيلَ هِيَ لَيْلَةُ التَّاسِعَ عَشَرَ. وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ: أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَحْمَدَ. ثُمَّ قَالَ قَوْمٌ: هِيَ لَيْلَةُ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ. وَمَالَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لِحَدِيثِ الْمَاءِ وَالطِّينِ
(١). أي جزم في حلفه بلا استثناء فيه بأن يقول عقب يمينه إن شاء الله.(٢). آية ٤١ سورة الأنفال.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute