أَفْسَدْتَ عَلَيَّ أَهْلَ قَرْيَتِي، وَخَالَفْتَ دِينِي وَدِينَ آبَائِي، فَلْأُمَثِّلَنَّ بِكَ. قَالَ: لَا تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ، فَجَعَلَ يُرْسِلُ بِهِ إِلَى الْجَبَلِ الطَّوِيلِ، فَيُطْرَحُ عَنْ رَأْسِهِ، فَيَقَعُ عَلَى الْأَرْضِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَجَعَلَ يَبْعَثُ بِهِ إِلَى مِيَاهِ نجران، بحار لا يلقى فيها شي إِلَّا هَلَكَ، فَيُلْقَى فِيهَا فَيَخْرُجُ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، فَلَمَّا غَلَبَهُ قَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الثَّامِرِ: وَاللَّهِ لَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِي حَتَّى تُوَحِّدَ اللَّهَ وَتُؤْمِنَ بِمَا آمَنْتُ بِهِ، فَإِنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ سُلِّطْتَ عَلَيَّ وَقَتَلْتَنِي. فَوَحَّدَ اللَّهَ ذَلِكَ الْمَلِكُ وَشَهِدَ شَهَادَتَهُ، ثُمَّ ضَرَبَهُ بِعَصًا فَشَجَّهُ شَجَّةً صَغِيرَةً لَيْسَتْ بِكَبِيرَةٍ، فقتله، وهلك الملك مكانه، واجتمع أهب نَجْرَانَ عَلَى دِينِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الثَّامِرِ، وكان على ما جاء به عيسى بن مَرْيَمَ مِنَ الْإِنْجِيلِ وَحُكْمِهِ. ثُمَّ أَصَابَهُمْ مَا أَصَابَ أَهْلَ دِينِهِمْ مِنَ الْأَحْدَاثِ، فَمِنْ ذَلِكَ كَانَ أَصْلُ النَّصْرَانِيَّةِ بِنَجْرَانَ. فَسَارَ إِلَيْهِمْ ذُو نُوَاسٍ الْيَهُودِيُّ بِجُنُودِهِ مِنْ حِمْيَرَ، فَدَعَاهُمْ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ، وَخَيَّرَهُمْ بَيْنَ ذَلِكَ أَوِ الْقَتْلِ، فَاخْتَارُوا الْقَتْلَ، فَخَدَّ لَهُمُ الْأُخْدُودَ، فَحَرَّقَ بِالنَّارِ وَقَتَّلَ بِالسَّيْفِ، وَمَثَّلَ بِهِمْ حَتَّى قَتَلَ مِنْهُمْ عِشْرِينَ أَلْفًا. وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ سَبْعِينَ «١» أَلْفًا. قَالَ وَهْبٌ: ثُمَّ لَمَّا غَلَبَ أَرِيَاطُ عَلَى الْيَمَنِ خَرَجَ ذُو نُوَاسٍ هَارِبًا، فَاقْتَحَمَ الْبَحْرَ بِفَرَسِهِ فَغَرِقَ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَذُو نُوَاسٍ هَذَا اسْمُهُ زُرْعَةُ بْنُ تُبَّانَ «٢» أَسْعَدَ الْحِمْيَرِيُّ، وَكَانَ أَيْضًا يُسَمَّى يُوسُفَ، وَكَانَ لَهُ غَدَائِرُ مِنْ شَعْرٍ تَنُوسُ، أَيْ تَضْطَرِبُ، فَسُمِّيَ ذَا نُوَاسِ، وَكَانَ فَعَلَ هَذَا بِأَهْلِ نَجْرَانَ، فَأَفْلَتَ مِنْهُمْ رَجُلٌ اسْمُهُ دَوْسٌ ذُو ثَعْلَبَانِ، فَسَاقَ الْحَبَشَةَ لِيَنْتَصِرَ بِهِمْ، فَمَلَكُوا الْيَمَنَ وَهَلَكَ ذُو نُوَاسٍ فِي الْبَحْرِ، أَلْقَى نَفْسَهُ فِيهِ، وَفِيهِ يَقُولُ عَمْرُو بْنُ مَعْدِي كَرِبٍ:
أَتُوعِدُنِي كَأَنَّكَ ذُو رُعَيْنٍ ... بِأَنْعَمِ عِيشَةٍ أَوْ ذُو نُوَاسِ
وَكَائِنْ كَانَ قَبْلَكَ مِنْ نَعِيمٍ ... وَمُلْكٍ ثَابِتٍ فِي النَّاسِ رَاسِ
قَدِيمٍ عَهْدُهُ مِنْ عَهْدِ عَادٍ ... عَظِيمٍ قَاهِرِ الْجَبَرُوتِ قَاسِ
أَزَالَ الدَّهْرُ مُلْكَهُمُ فَأَضْحَى ... يُنَقَّلُ مِنْ أُنَاسٍ فِي أناس
(١). في ز، ل: (تسعين ألفا).(٢). هو كغراب أو كرمان ويكسر. وهو أول من كسا البيت الحرام.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute