آخَرَ فَيَحْفَظُهُ حَتَّى يُدْرِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكَيْنِ يَكْتُبَانِ حَسَنَاتِهِ وَسَيِّئَاتِهِ، فَإِذَا جَاءَهُ الْمَوْتُ ارْتَفَعَ ذَانِكَ الْمَلَكَانِ، ثُمَّ جَاءَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَيَقْبِضُ رُوحَهُ، فَإِذَا أُدْخِلَ حُفْرَتَهُ رَدَّ الرُّوحَ فِي جَسَدِهِ، ثُمَّ يَرْتَفِعُ مَلَكُ الْمَوْتِ، ثُمَّ جَاءَهُ مَلَكَا، الْقَبْرِ فامتحناه، تم يَرْتَفِعَانِ، فَإِذَا قَامَتِ السَّاعَةُ انْحَطَّ عَلَيْهِ مَلَكُ الْحَسَنَاتِ وَمَلَكُ السَّيِّئَاتِ، فَأَنْشَطَا كِتَابًا مَعْقُودًا فِي عُنُقِهِ، ثُمَّ حَضَرَا مَعَهُ، وَاحِدٌ سَائِقٌ وَالْآخَرُ شَهِيدٌ) ثُمَّ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ، فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ [ق: ٢٢] قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ قَالَ: (حَالًا بَعْدَ حَالٍ) ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ قُدَّامَكُمْ أَمْرًا عَظِيمًا فَاسْتَعِينُوا بِاللَّهِ الْعَظِيمِ) فَقَدِ اشْتَمَلَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَحْوَالٍ تَعْتَرِي الْإِنْسَانَ، مِنْ حِينِ يُخْلَقُ إِلَى حِينِ يُبْعَثُ، وَكُلُّهُ شِدَّةٌ بَعْدَ شِدَّةٍ، حَيَاةٌ ثُمَّ مَوْتٌ، ثُمَّ بَعْثٌ ثُمَّ جَزَاءٌ، وَفِي كُلِّ حَالٍ مِنْ هَذِهِ شَدَائِدٌ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَتَرْكَبُنَّ «١» سُنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بشبرا، وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا حجر ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: فَمَنْ؟ خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ: وَأَمَّا أَقْوَالُ الْمُفَسِّرِينَ، فَقَالَ عِكْرِمَةُ: حَالًا بَعْدَ حَالٍ، فَطِيمًا بَعْدَ رَضِيعٍ، وَشَيْخًا بَعْدَ شَبَابٍ، قَالَ الشَّاعِرُ:
كَذَلِكَ الْمَرْءُ إِنْ يُنْسَأْ لَهُ أَجَلٌ ... يَرْكَبْ عَلَى طَبَقٍ مِنْ بَعْدِهِ طَبَقُ
وَعَنْ مَكْحُولٍ: كُلُّ عِشْرِينَ عَامًا تَجِدُونَ أَمْرًا لَمْ تَكُونُوا عَلَيْهِ: وَقَالَ الْحَسَنُ: أَمْرًا بَعْدَ أَمْرٍ، رَخَاءً بَعْدَ شِدَّةٍ، وَشِدَّةً بَعْدَ رَخَاءٍ، وَغِنًى بَعْدَ فَقْرٍ، وَفَقْرًا بَعْدَ غِنًى، وَصِحَّةً بَعْدَ سُقْمٍ، وَسُقْمًا بَعْدَ صِحَّةٍ: سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مَنْزِلَةً بَعْدَ مَنْزِلَةٍ، قَوْمٌ كَانُوا فِي الدُّنْيَا مُتَّضِعِينَ فَارْتَفَعُوا فِي الْآخِرَةِ، وَقَوْمٌ كَانُوا فِي الدُّنْيَا مُرْتَفِعِينَ فَاتَّضَعُوا فِي الْآخِرَةِ: وَقِيلَ: مَنْزِلَةً عَنْ مَنْزِلَةٍ، وَطَبَقًا عَنْ طَبَقٍ «٢»، وَذَلِكَ، أَنَّ مَنْ كَانَ عَلَى صَلَاحٍ دَعَاهُ إِلَى صَلَاحِ فَوْقِهِ، وَمَنْ كَانَ عَلَى فَسَادٍ دَعَاهُ إِلَى فَسَادٍ فوقه، لان كل شي يَجْرِي إِلَى شَكْلِهِ: ابْنُ زَيْدٍ: وَلَتَصِيرُنَّ مِنْ طَبَقِ الدُّنْيَا إِلَى طَبَقِ الْآخِرَةِ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الشَّدَائِدُ وَالْأَهْوَالُ: الْمَوْتُ، ثُمَّ الْبَعْثُ، ثُمَّ العرض،
(١). رواية البخاري (لتتبعن) بدل (لتركبن).(٢). في ا، ح، ط، ل: طبقة.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute