الصَّحِيحِ، فَإِنَّهُ قَالَ: (مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا) وَهَذَا يَدْفَعُ الثَّلَاثَ. وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا؟ قَالَ حَرُمَتْ عَلَيْكَ وَبَانَتْ مِنْكَ بِمَعْصِيَةٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: ظَاهِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ وَالْوَاحِدَةَ سَوَاءٌ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لَوْلَا قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ: لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً. وَهَذَا يُبْطِلُ دُخُولَ الثَّلَاثِ تَحْتَ الْآيَةِ. وَكَذَلِكَ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ بَدِيعٌ لَهُمْ. وَأَمَّا مَالِكٌ فَلَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ إِطْلَاقُ الْآيَةِ كَمَا قَالُوا، وَلَكِنَّ الْحَدِيثَ فَسَّرَهَا كَمَا قُلْنَا. وَأَمَّا قَوْلُ الشَّعْبِيِّ: إِنَّهُ يَجُوزُ طَلَاقٌ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ، فَيَرُدُّهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ بِنَصِّهِ وَمَعْنَاهُ. أَمَّا نَصُّهُ فَقَدْ قَدَّمْنَاهُ، وَأَمَّا مَعْنَاهُ فَلِأَنَّهُ إِذَا مُنِعَ مِنْ طَلَاقِ الْحَائِضِ لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِهِ، فَالطُّهْرُ الْمُجَامَعُ فِيهِ أَوْلَى بِالْمَنْعِ، لِأَنَّهُ يَسْقُطُ الِاعْتِدَادُ بِهِ مَخَافَةَ شَغْلِ الرَّحِمِ وَبِالْحَيْضِ التَّالِي لَهُ. قُلْتُ: وَقَدِ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ فِي طَلَاقِ الثَّلَاثِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ بِمَا رَوَاهُ الدارقطني عن سلمة ابن أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَمَاضُرَ بِنْتَ الْأَصْبَغِ الْكَلْبِيَّةَ وَهِيَ أُمُّ أَبِي سَلَمَةَ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ عَابَ ذَلِكَ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ حَفْصَ بْنَ الْمُغِيرَةِ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فاطمة بنت قيس على عهد رسول اله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ فِي كَلِمَةٍ، فَأَبَانَهَا مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَابَ ذَلِكَ عَلَيْهِ. وَاحْتُجَّ أيضا بحديث عو يمر العجلاني لما لا عن قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثٌ. فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدِ انْفَصَلَ عُلَمَاؤُنَا عَنْ هَذَا أَحْسَنَ انْفِصَالٍ. بَيَانُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ (الْمُقْتَبَسِ مِنْ شَرْحِ مُوَطَّأِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ). وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَجَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ أَنَّ مَنْ خَالَفَ السُّنَّةَ فِي الطَّلَاقِ فَأَوْقَعَهُ فِي حَيْضٍ أَوْ ثَلَاثٍ لم يقع، وشبهوه بِمَنْ وُكِّلَ بِطَلَاقِ السُّنَّةِ «١» فَخَالَفَ. الثَّامِنَةُ: قَالَ الْجُرْجَانِيُّ: اللَّامُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لِعِدَّتِهِنَّ بِمَعْنَى فِي، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ «٢» [الحشر
: ٢].
(١). في ط:" فخالف السنة". [ ..... ](٢). راجع ص ١ من هذا الجزء.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute