قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ) أَيْ لَيْسَتْ بِالْقَلِيلَةِ الْعَزِيزَةِ كَمَا كَانَتْ فِي بِلَادِهِمْ (لَا مَقْطُوعَةٍ) أَيْ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ كَانْقِطَاعِ فَوَاكِهِ الصيف في الشاء (وَلا مَمْنُوعَةٍ) أَيْ لَا يُحْظَرُ عَلَيْهَا كَثِمَارِ الدُّنْيَا. وَقِيلَ: (وَلا مَمْنُوعَةٍ) أَيْ لَا يُمْنَعُ مَنْ أَرَادَهَا بِشَوْكٍ وَلَا بُعْدٍ [وَلَا «١»] حَائِطٍ، بَلْ إِذَا اشْتَهَاهَا الْعَبْدُ دَنَتْ مِنْهُ حَتَّى يَأْخُذَهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا) «٢». وَقِيلَ: لَيْسَتْ مَقْطُوعَةً بِالْأَزْمَانِ، وَلَا مَمْنُوعَةً بِالْأَثْمَانِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ) رَوَى التِّرْمِذِيُّ [عَنْ أَبِي سَعِيدٍ «٣»] عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ) قَالَ: (ارْتِفَاعُهَا لَكُمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مَسِيرَةَ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ) قَالَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ: الْفُرُشُ فِي الدَّرَجَاتِ، وَمَا بَيْنَ الدَّرَجَاتِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ. وَقِيلَ: إِنَّ الْفُرُشَ هُنَا كِنَايَةٌ عَنِ النِّسَاءِ اللَّوَاتِي فِي الْجَنَّةِ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُنَّ ذِكْرٌ، وَلَكِنَّ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ: (وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ) دَالٌّ، لِأَنَّهَا مَحَلُّ النِّسَاءِ، فَالْمَعْنَى وَنِسَاءٌ مُرْتَفِعَاتُ الْأَقْدَارِ فِي حُسْنِهِنَّ وَكَمَالِهِنَّ، دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً) أَيْ خَلَقْنَاهُنَّ خَلْقًا وَأَبْدَعْنَاهُنَّ إِبْدَاعًا. وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْمَرْأَةَ فِرَاشًا وَلِبَاسًا وَإِزَارًا، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: (هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ) «٤». ثُمَّ قِيلَ: عَلَى هَذَا هُنَّ الْحُورُ الْعِينُ، أَيْ خَلَقْنَاهُنَّ مِنْ غَيْرِ وِلَادَةٍ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ نِسَاءُ بَنِي آدَمَ، أَيْ خَلَقْنَاهُنَّ خَلْقًا جَدِيدًا وَهُوَ الْإِعَادَةُ، أَيْ أَعَدْنَاهُنَّ إِلَى حَالِ الشَّبَابِ وَكَمَالِ الْجَمَالِ. وَالْمَعْنَى أَنْشَأْنَا الْعَجُوزَ وَالصَّبِيَّةَ إِنْشَاءً وَاحِدًا، وَأُضْمِرْنَ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُهُنَّ، لِأَنَّهُنَّ قَدْ دَخَلْنَ فِي أَصْحَابِ الْيَمِينِ، وَلِأَنَّ الْفُرُشَ كِنَايَةٌ عَنِ النِّسَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً) قَالَ: (مِنْهُنَّ الْبِكْرُ وَالثَّيِّبُ). وَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: (إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً. عُرُباً أَتْراباً) فَقَالَ: (يَا أُمَّ سَلَمَةَ هُنَّ اللواتي قبضن في الدنيا عجائز شمطاء عُمْشًا رُمْصًا جَعَلَهُنَّ اللَّهُ بَعْدَ الْكِبَرِ أَتْرَابًا عَلَى مِيلَادٍ وَاحِدٍ فِي الِاسْتِوَاءِ) أَسْنَدَهُ النَّحَّاسُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا أبو عاصم عن
(١). زيادة من ب.(٢). راجع ج ١٩ ص ١٣٧.(٣). زيادة من ب.(٤). راجع ج ٢ ص ٣١٦. [ ..... ]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute