(عَبَاقِرِيٌّ) وَهُوَ خَطَأٌ لِأَنَّ الْمَنْسُوبَ لَا يُجْمَعُ عَلَى نِسْبَتِهِ، وَقَالَ قُطْرُبٌ: لَيْسَ بِمَنْسُوبٍ وَهُوَ مِثْلُ كُرْسِيٌّ وَكَرَاسِيٌّ وَبُخْتِيٌّ وَبَخَاتِيٌّ. وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ (مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفَارِفَ خُضْرٍ وَعَبَاقِرَ حِسَانٍ) ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ. وَضَمَّ الضَّادَ مِنْ (خُضْرٍ) قَلِيلٌ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) (تَبارَكَ) تَفَاعَلَ مِنَ الْبَرَكَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ «١». (ذِي الْجَلالِ) أَيِ الْعَظَمَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ (وَالْإِكْرامِ) «٢». وَقَرَأَ عَامِرٌ (ذُو الْجَلَالِ) بِالْوَاوِ وَجَعَلَهُ وَصْفًا لِلِاسْمِ، وَذَلِكَ تَقْوِيَةٌ لِكَوْنِ الِاسْمِ هُوَ الْمُسَمَّى. الْبَاقُونَ (ذِي الْجَلالِ) جَعَلُوا (ذِي) صِفَةً لِ (رَبِّكَ). وَكَأَنَّهُ يُرِيدُ الِاسْمَ الَّذِي افْتَتَحَ بِهِ السُّورَةَ، فَقَالَ: (الرَّحْمنُ) فَافْتَتَحَ بِهَذَا الِاسْمِ، فوصف خلق الإنسان والجن «٣»، وخلق السموات وَالْأَرْضِ وَصُنْعَهُ، وَأَنَّهُ (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) وَوَصَفَ تَدْبِيرَهُ فِيهِمْ، ثُمَّ وَصَفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَهْوَالَهَا، وَصِفَةَ النَّارِ ثُمَّ خَتَمَهَا بِصِفَةِ الْجِنَانِ. ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ السُّورَةِ: (تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (أَيْ هَذَا الِاسْمُ الَّذِي افْتَتَحَ بِهِ هَذِهِ السُّورَةَ، كَأَنَّهُ يُعْلِمُهُمْ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ خَرَجَ لَكُمْ مِنْ رَحْمَتِي، فَمِنْ رَحْمَتِي خَلَقْتُكُمْ وَخَلَقْتُ لَكُمُ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَالْخَلْقَ وَالْخَلِيقَةَ وَالْجَنَّةَ وَالنَّارَ، فَهَذَا كُلُّهُ لَكُمْ مِنَ اسْمِ الرَّحْمَنِ فَمَدَحَ اسْمَهُ ثُمَّ قَالَ: (ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) جَلِيلٌ فِي ذَاتِهِ، كَرِيمٌ فِي أَفْعَالِهِ. وَلَمْ يَخْتَلِفِ الْقُرَّاءُ فِي إِجْرَاءِ النَّعْتِ عَلَى الْوَجْهِ بِالرَّفْعِ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ وجه الله الذي يلقى المؤمنون عند ما يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَيَسْتَبْشِرُونَ بِحُسْنِ الْجَزَاءِ، وَجَمِيلِ اللِّقَاءِ، وحسن العطاء. والله أعلم.
(١). راجع ج ١٣ ص ٢(٢). راجع ص ١٦٥ من هذا الجزء.(٣). في ب: (والشياطين).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute