الثانية- قوله تعالى: (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ) أَيْ لَمْ يُصِبْهُنَّ بِالْجِمَاعِ قَبْلَ أَزْوَاجِهِنَّ هَؤُلَاءِ أَحَدٌ. الْفَرَّاءُ: وَالطَّمْثُ الِافْتِضَاضُ وَهُوَ النِّكَاحُ بِالتَّدْمِيَةِ، طَمَثَهَا يَطْمِثُهَا وَيَطْمُثُهَا طَمْثًا إِذَا افْتَضَّهَا. وَمِنْهُ قِيلَ: امْرَأَةٌ طَامِثٌ أَيْ حَائِضٌ. وَغَيْرُ الْفَرَّاءِ يُخَالِفُهُ فِي هَذَا وَيَقُولُ: طَمَثَهَا بِمَعْنَى وَطِئَهَا عَلَى أَيِّ الْوُجُوهِ كَانَ. إِلَّا أَنَّ قَوْلَ الْفَرَّاءِ أَعْرَفُ وَأَشْهَرُ. وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ (لَمْ يَطْمُثْهُنَّ) بِضَمِّ الْمِيمِ، يُقَالُ: طَمَثَتِ الْمَرْأَةُ تَطْمُثُ بِالضَّمِّ حَاضَتْ. وَطَمِثَتْ بِالْكَسْرِ لُغَةٌ فَهِيَ طَامِثٌ، وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ:
وَقَعْنَ «١» إِلَيَّ لَمْ يُطْمَثْنَ قَبْلِي ... وَهُنَّ أَصَحُّ مِنْ بَيْضِ النَّعَامِ
وَقِيلَ: (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ) لم يمسهن، قَالَ أَبُو عَمْرٍو: وَالطَّمْثُ الْمَسُّ وَذَلِكَ فِي كل شي يُمَسُّ. وَيُقَالُ لِلْمَرْتَعِ: مَا طَمَثَ ذَلِكَ الْمَرْتَعَ قَبْلَنَا أَحَدٌ، وَمَا طَمَثَ هَذِهِ النَّاقَةَ حَبْلٌ، أَيْ مَا مَسَّهَا عِقَالٌ. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: أَيْ لَمْ يُذَلِّلْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ، وَالطَّمْثُ التَّذْلِيلُ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ (جَأْنٌ) بِالْهَمْزَةِ. الثَّالِثَةُ- فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجِنَّ تَغْشَى كَالْإِنْسِ، وَتَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَيَكُونُ لَهُمْ فِيهَا جِنِّيَّاتٌ. قَالَ ضَمْرَةُ: لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ أَزْوَاجٌ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، فَالْإِنْسِيَّاتُ لِلْإِنْسِ، وَالْجِنِّيَّاتُ لِلْجِنِّ. وَقِيلَ: أَيْ لَمْ يَطْمِثْ مَا وَهَبَ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْجِنِّ فِي الْجَنَّةِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ مِنَ الْجِنِّيَّاتِ جِنٌّ، وَلَمْ يَطْمِثْ مَا وَهَبَ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْإِنْسِ فِي الْجَنَّةِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ مِنَ الْإِنْسِيَّاتِ إِنْسٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْجِنَّ لَا تَطَأُ بَنَاتِ آدَمَ فِي الدُّنْيَا. ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيُّ. قُلْتُ: قَدْ مَضَى فِي (النَّمْلِ) «٢» الْقَوْلُ في هذا وفي (سبحان) «٣» أَيْضًا، وَأَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ تَطَأَ بَنَاتُ آدَمَ. وَقَدْ قَالَ مُجَاهِدٌ: إِذَا جَامَعَ الرَّجُلُ وَلَمْ يُسَمِّ انْطَوَى الْجَانُّ عَلَى إِحْلِيلِهِ فَجَامَعَ مَعَهُ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ) وَذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَصَفَ الْحُورَ الْعِينَ بِأَنَّهُ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ. يُعْلِمُكَ أَنَّ نِسَاءَ الْآدَمِيَّاتِ قَدْ يَطْمِثُهُنَّ الْجَانُّ، وَأَنَّ الْحُورَ الْعِينَ قَدْ برين مِنْ هَذَا الْعَيْبِ وَنُزِّهْنَ، وَالطَّمْثُ الْجِمَاعُ. ذَكَرَهُ بِكَمَالِهِ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ، وَذَكَرَهُ الْمَهْدَوِيُّ أَيْضًا وَالثَّعْلَبِيُّ وغيرهما والله أعلم.
(١). في ب: (دفعن).(٢). راجع ج ١٣ ص (٢١١) [ ..... ](٣). راجع ج ١٠ ص ٢٨٩
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute