لِأَخِيهِ عِنْدَهُ مَظْلَمَةٌ فِي عِرْضٍ أَوْ مَالٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَيْسَ هُنَاكَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ يُؤْخَذُ مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَزِيدَ عَلَى سَيِّئَاتِهِ [. خَرَّجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ وسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:] مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٌ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَلَّا يَكُونَ لَهُ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ [. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى فِي سُورَةِ" آلِ عِمْرَانَ" عِنْدَ قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ" «١» [آل عمران: ١٦٩]. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً دَخَلَتْ عَلَيْهَا فَلَمَّا قَامَتْ قَالَتِ امْرَأَةٌ: مَا أَطْوَلَ ذَيْلَهَا! فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ: لَقَدِ اغْتَبْتِيهَا فَاسْتَحِلِّيهَا. فَدَلَّتِ الْآثَارُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا مَظْلَمَةٌ يَجِبُ عَلَى الْمُغْتَابِ اسْتِحْلَالُهَا. وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّمَا الْغِيبَةُ فِي الْمَالِ وَالْبَدَنِ، فَقَدْ أَجْمَعَتِ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ عَلَى الْقَاذِفِ لِلْمَقْذُوفِ مَظْلَمَةً يَأْخُذُهُ بِالْحَدِّ حَتَّى يُقِيمَهُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لَيْسَ فِي الْبَدَنِ وَلَا فِي الْمَالِ، فَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الظُّلْمَ فِي الْعِرْضِ وَالْبَدَنِ وَالْمَالِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقَاذِفِ:" فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ" «٢» [النور: ١٣]. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:] مَنْ بَهَتَ مُؤْمِنًا بِمَا لَيْسَ فِيهِ حَبَسَهُ اللَّهُ فِي طِينَةِ الْخَبَالِ [«٣». وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْمَالِ وَالْبَدَنِ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إِنَّهَا مَظْلَمَةٌ، وَكَفَّارَةُ الْمَظْلَمَةِ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِصَاحِبِهَا، فَقَدْ نَاقَضَ إِذْ سَمَّاهَا مَظْلَمَةً ثُمَّ قَالَ كَفَّارَتُهَا أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِصَاحِبِهَا، لِأَنَّ قَوْلَهُ مَظْلَمَةٌ تُثْبِتُ ظُلَامَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِذَا ثَبَتَتِ الظُّلَامَةُ لَمْ يُزِلْهَا عَنِ الظَّالِمِ إِلَّا إِحْلَالُ الْمَظْلُومِ لَهُ. وَأَمَّا قَوْلُ الْحَسَنِ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:] مَنْ كَانَتْ لَهُ عِنْدَ أَخِيهِ مَظْلَمَةٌ فِي عِرْضٍ أَوْ مَالٍ فَلِيَتَحَلَّلْهَا مِنْهُ [. وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى تَرْكِ التَّحْلِيلِ لِمَنْ سَأَلَهُ، وَرَأَى أَنَّهُ لَا يُحِلُّ
مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ، مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ قَالَ: لَا أُحَلِّلُ مَنْ ظَلَمَنِي. وَقِيلَ لِابْنِ سِيرِينَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، هَذَا رَجُلٌ
(١). راجع ج ٤ ص ٢٦٨. [ ..... ](٢). آية ١٣ سورة النور.(٣). الخبال: الفساد، ويكون في الافعال والأبدان والعقول. و" طينة الخبال": عصارة أهل النار.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute