الْأَوَّلَ، وَلَفْظُهُ فِيهِ: فَصَلُّوا لِلَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ. وَفِي تَسْمِيَةِ الصَّلَاةِ بِالتَّسْبِيحِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا- لِمَا تَضَمَّنَهَا مِنْ ذِكْرِ التَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. الثَّانِي- مَأْخُوذٌ مِنَ السُّبْحَةِ وَالسُّبْحَةُ الصَّلَاةُ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (تَكُونُ لَهُمْ سُبْحَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أَيْ صَلَاةٌ. الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) اعتراض بين الكلام بدؤوب الْحَمْدِ عَلَى نِعَمِهِ وَآلَائِهِ. وَقِيلَ: مَعْنَى" وَلَهُ الْحَمْدُ" أَيِ الصَّلَاةُ لَهُ لِاخْتِصَاصِهَا بِقِرَاءَةِ الْحَمْدِ. وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، فَإِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ مِنْ نَوْعِ تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْحَضِّ عَلَى عِبَادَتِهِ وَدَوَامِ نِعْمَتِهِ، فَيَكُونُ نَوْعًا آخَرَ خِلَافَ الصَّلَاةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَبَدَأَ بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ لِأَنَّ اللَّيْلَ يَتَقَدَّمُ النَّهَارَ. وَفَى سُورَةِ" سُبْحَانَ" «١» بَدَأَ بِصَلَاةِ الظُّهْرِ إِذْ هِيَ أَوَّلُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا جِبْرِيلُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الْمَاوَرْدِيُّ: وَخَصَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ بِاسْمِ التَّسْبِيحِ وَصَلَاةَ النَّهَارِ بِاسْمِ الْحَمْدِ لِأَنَّ لِلْإِنْسَانِ فِي النَّهَارِ مُتَقَلَّبًا فِي أَحْوَالٍ تُوجِبُ حَمْدَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهَا، وَفِي اللَّيْلِ عَلَى خَلْوَةٍ تُوجِبُ تَنْزِيهَ اللَّهِ مِنَ الْأَسْوَاءِ فِيهَا، فَلِذَلِكَ صَارَ الْحَمْدُ بِالنَّهَارِ أَخَصَّ فَسُمِّيَتْ بِهِ صَلَاةُ النَّهَارِ، وَالتَّسْبِيحُ بِاللَّيْلِ أَخَصُّ فَسُمِّيَتْ بِهِ صَلَاةُ اللَّيْلِ. الثَّالِثَةُ- قَرَأَ عِكْرِمَةُ" حِينًا تُمْسُونَ وَحِينًا تُصْبِحُونَ" وَالْمَعْنَى: حِينًا تُمْسُونَ فِيهِ وَحِينًا تُصْبِحُونَ فِيهِ، فَحُذِفَ" فِيهِ" تَخْفِيفًا، وَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي" وَاتَّقُوا يَوْماً لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً" «٢» [البقرة: ٤٨]. (وَعَشِيًّا) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْعِشِيُّ وَالْعَشِيَّةُ مِنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ إِلَى الْعَتَمَةِ، تَقُولُ: أَتَيْتُهُ عَشِيَّةَ أَمْسِ وَعَشِيَّ أَمْسِ. وَتَصْغِيرُ الْعَشِيِّ: عُشَيَّانٌ، عَلَى غَيْرِ [قِيَاسِ] مُكَبَّرِهِ، كَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا عَشْيَانًا، وَالْجَمْعُ عُشَيَّانَاتٌ. وَقِيلَ أَيْضًا فِي تَصْغِيرِهِ: عُشَيْشِيَانٌ، وَالْجَمْعُ عُشَيْشِيَاتٌ. وَتَصْغِيرُ الْعَشِيَّةِ عُشَيْشِيَّةٌ، وَالْجَمْعُ عُشَيْشِيَاتٌ. وَالْعِشَاءُ (بِالْكَسْرِ «٣» وَالْمَدِّ) مِثْلُ الْعَشِيِّ. وَالْعِشَاءَانِ «٤» الْمَغْرِبُ وَالْعَتَمَةُ. وَزَعَمَ قَوْمٌ أَنَّ الْعِشَاءَ مِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَأَنْشَدُوا:
غَدَوْنَا غَدْوَةً سَحَرًا بِلَيْلٍ ... عشاء بعد ما انتصف النهار
(١). راجع ج ١٠ ص ٢١٠.(٢). راجع ج ١ ص ٣٧٧ فما بعد.(٣). من ك.(٤). في ج: (والعشاء).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute