مَمْلُوكًا لَهَا أَوْ لِغَيْرِهَا، وَأَمَّا الْحُرُّ فَلَا. وَإِنْ كَانَ فَحْلًا كَبِيرًا وَغْدًا «١» تَمْلِكُهُ، لَا هَيْئَةَ لَهُ وَلَا مَنْظَرَ فَلْيَنْظُرْ إِلَى شَعْرِهَا. قَالَ أَشْهَبُ قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ بِوَاسِعٍ أَنْ تَدْخُلَ جَارِيَةُ الْوَلَدِ أَوِ الزَّوْجَةِ عَلَى الرَّجُلِ الْمِرْحَاضَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ". وَقَالَ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ: يَنْظُرُ الْغُلَامُ الْوَغْدُ إِلَى شَعْرِ سَيِّدَتِهِ، وَلَا أُحِبُّهُ لِغُلَامِ الزَّوْجِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: لَا تَغُرَّنَّكُمْ هَذِهِ الْآيَةُ" أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ" إِنَّمَا عُنِيَ بِهَا الْإِمَاءُ وَلَمْ يُعْنَ بِهَا الْعَبِيدُ. وَكَانَ الشَّعْبِيُّ يَكْرَهُ أَنْ يَنْظُرَ الْمَمْلُوكُ إِلَى شَعْرِ مَوْلَاتِهِ. وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى فَاطِمَةَ بِعَبْدٍ قَدْ وَهَبَهُ لَهَا، قَالَ: وَعَلَى فَاطِمَةَ ثَوْبٌ إِذَا غَطَّتْ بِهِ رَأْسَهَا لَمْ يَبْلُغْ إِلَى رِجْلَيْهَا، وَإِذَا غَطَّتْ بِهِ رِجْلَيْهَا لَمْ يَبْلُغْ إِلَى رَأْسِهَا، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَلْقَى مِنْ ذَلِكَ قَالَ: (إِنَّهُ لَا بَأْسَ عَلَيْكِ إِنَّمَا هُوَ أَبُوكِ وَغُلَامُكِ). الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ) " أَيْ غَيْرِ أُولِي الْحَاجَةِ وَالْإِرْبَةُ الْحَاجَةُ، يُقَالُ: أَرِبْتُ كَذَا آرِبُ أَرَبًا. وَالْإِرْبُ وَالْإِرْبَةُ وَالْمَأْرُبَةُ وَالْأَرَبُ: الْحَاجَةُ، وَالْجَمْعُ مَآرِبُ، أَيْ حَوَائِجُ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى " [طه: ١٨] وَقَدْ تَقَدَّمَ «٢». وَقَالَ طَرَفَةُ:
إِذَا الْمَرْءُ قَالَ الجهل والحوب والخنى» ... تَقَدَّمَ يَوْمًا ثُمَّ ضَاعَتْ مَآرِبُهُ
وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ:" أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ" فَقِيلَ: هُوَ الْأَحْمَقُ الَّذِي لَا حَاجَةَ بِهِ إِلَى النِّسَاءِ. وَقِيلَ الْأَبْلَهُ. وَقِيلَ: الرَّجُلُ يَتْبَعُ الْقَوْمَ فَيَأْكُلُ مَعَهُمْ وَيَرْتَفِقُ بِهِمْ، وَهُوَ ضَعِيفٌ لَا يَكْتَرِثُ لِلنِّسَاءِ وَلَا يَشْتَهِيهِنَّ. وَقِيلَ الْعِنِّينُ. وَقِيلَ الْخَصِيُّ. وَقِيلَ الْمُخَنَّثُ. وَقِيلَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ، وَالصَّبِيُّ الَّذِي لَمْ يُدْرِكْ. وَهَذَا الِاخْتِلَافُ كُلُّهُ مُتَقَارِبُ الْمَعْنَى، وَيَجْتَمِعُ فِيمَنْ لَا فَهْمَ لَهُ وَلَا هِمَّةَ يَنْتَبِهُ بِهَا إِلَى أَمْرِ النِّسَاءِ. وَبِهَذِهِ الصِّفَةِ كَانَ هِيتُ الْمُخَنَّثُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما سَمِعَ مِنْهُ مَا سَمِعَ مِنْ وَصْفِ مَحَاسِنِ المرأة: بادية بنة غَيْلَانَ، أَمَرَ بِالِاحْتِجَابِ مِنْهُ. أَخْرَجَ حَدِيثَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَمَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرُهُمْ عَنْ
(١). الوغد: الدنى من الرجال الذي يخدم بطعام بطنه. وقيل: الخفيف العقل.(٢). راجع ج ١١ ص ١٨٧.(٣). الحوب (بضم الحاء وفتحها): الإثم. والخنى: الفحش.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute