بِمَعْنَى التَّزْوِيجِ. وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، وَفِي الْقُرْآنِ" حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ٢٣٠" [البقرة: ٢٣٠] وَقَدْ بَيَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه بمعنى الوطي، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي [الْبَقَرَةِ «١»]. وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ مَا يَنْحُو إِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ، وَلَكِنْ غَيْرَ مُخَلَّصٍ وَلَا مُكَمَّلٍ. وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وأن معناه الوطي، أَيْ لَا يَكُونُ زَنَى إِلَّا بِزَانِيَةٍ، وَيُفِيدُ أنه زنى فِي الْجِهَتَيْنِ، فَهَذَا قَوْلٌ. الثَّانِي- مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أن مرثد ابن أَبِي مَرْثَدٍ كَانَ يَحْمِلُ الْأُسَارَى بِمَكَّةَ، وَكَانَ بِمَكَّةَ بَغِيٌّ يُقَالُ لَهَا" عَنَاقُ" وَكَانَتْ صَدِيقَتَهُ، قَالَ: فَجِئْتُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْكِحُ عَنَاقَ؟ قَالَ: فَسَكَتَ عَنِّي، فَنَزَلَتْ:" وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ"، فَدَعَانِي فَقَرَأَهَا عَلَيَّ وَقَالَ: (لَا تَنْكِحْهَا). لَفْظُ أَبِي دَاوُدَ، وَحَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ أَكْمَلُ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا خَاصٌّ بِهَذِهِ الْمَرْأَةِ إِذْ كَانَتْ كَافِرَةً، فَأَمَّا الزَّانِيَةُ الْمُسْلِمَةُ فَإِنَّ الْعَقْدَ عَلَيْهَا لَا يُفْسَخُ. الثَّالِثُ- أَنَّهَا مَخْصُوصَةٌ فِي رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَيْضًا أَسْتَأْذِنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نِكَاحِ امْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا" أُمُّ مَهْزُولٍ" وَكَانَتْ مِنْ بَغَايَا «٢» الزَّانِيَاتِ، وَشَرَطَتْ أَنْ تُنْفِقَ عَلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، قَالَهُ عَمْرُو بْنُ العاصي وَمُجَاهِدٌ. الرَّابِعُ- أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الصُّفَّةِ وَكَانُوا قَوْمًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِي الْمَدِينَةِ مَسَاكِنُ وَلَا عَشَائِرُ فَنَزَلُوا صُفَّةَ الْمَسْجِدِ وَكَانُوا أَرْبَعَمِائَةِ رَجُلٍ يَلْتَمِسُونَ الرِّزْقَ بِالنَّهَارِ وَيَأْوُونَ إِلَى الصُّفَّةِ بِاللَّيْلِ، وَكَانَ بِالْمَدِينَةِ بَغَايَا مُتَعَالِنَاتٌ بِالْفُجُورِ، مَخَاصِيبُ بِالْكِسْوَةِ وَالطَّعَامِ، فَهَمَّ أَهْلُ الصُّفَّةِ أَنْ يَتَزَوَّجُوهُنَّ فَيَأْوُوا إِلَى مَسَاكِنِهِنَّ وَيَأْكُلُوا مِنْ طَعَامِهِنَّ وَكِسْوَتِهِنَّ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ صِيَانَةً لَهُمْ عَنْ ذَلِكَ، قَالَهُ ابْنُ أَبِي صَالِحٍ. الْخَامِسُ- ذَكَرَهُ الزَّجَّاجُ وَغَيْرُهُ عَنِ الْحَسَنِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: الْمُرَادُ الزَّانِي الْمَحْدُودُ وَالزَّانِيَةُ الْمَحْدُودَةُ، قَالَ: وَهَذَا حُكْمٌ مِنَ اللَّهِ، فَلَا يَجُوزُ لزان محدود أن يتزوج إلا محدودة.
(١). راجع ج ٣ ص ١٤٦.(٢). في ب وج: بقايا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute