الثَّانِي- يَعْنِي الْمُسَمَّى عِنْدَهُ- مِنْ حِينِ وَفَاتِهِ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ فِي الْبَرْزَخِ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، فَإِذَا اتَّقَى الْعَبْدُ رَبَّهُ وَوَصَلَ رَحِمَهُ زَادَهُ اللَّهُ فِي أَجَلِ عُمْرِهِ الْأَوَّلِ مِنْ أَجَلِ الْبَرْزَخِ، مَا شَاءَ، وَإِذَا عَصَى وَقَطَعَ رَحِمَهُ نَقَصَهُ اللَّهُ مِنْ أَجَلِ عُمْرِهِ فِي الدُّنْيَا مَا شَاءَ، فَيَزِيدُهُ فِي أَجَلِ الْبَرْزَخِ فَإِذَا تَحَتَّمَ الْأَجَلُ فِي عِلْمِهِ السَّابِقِ امْتَنَعَ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:" فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ" «١» [الأعراف: ٣٤] فَتَوَافَقَ الْخَبَرُ وَالْآيَةُ، وَهَذِهِ زِيَادَةٌ فِي نَفْسِ الْعُمْرِ وَذَاتِ الْأَجَلِ عَلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ، فِي اخْتِيَارِ حَبْرِ الْأُمَّةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يُحْكِمُ اللَّهُ أَمْرَ السَّنَةِ فِي رَمَضَانَ فَيَمْحُو مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ مَا يَشَاءُ، إِلَّا الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ، وَالشَّقَاءَ وَالسَّعَادَةَ، وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِيهِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ مِنْ دِيوَانِ الْحَفَظَةِ مَا لَيْسَ فِيهِ ثَوَابٌ وَلَا عِقَابٌ، وَيُثْبِتُ مَا فِيهِ ثَوَابٌ وَعِقَابٌ، وَرَوَى مَعْنَاهُ أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: يَمْحُو مِنَ الرِّزْقِ وَيَزِيدُ فِيهِ، وَيَمْحُو مِنَ الْأَجَلِ وَيَزِيدُ فِيهِ، وَرَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ سُئِلَ الْكَلْبِيُّ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ: يُكْتَبُ الْقَوْلُ كُلُّهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْخَمِيسِ طُرِحَ مِنْهُ كل شي لَيْسَ فِيهِ ثَوَابٌ وَلَا عِقَابٌ، مِثْلُ قَوْلِكَ: أَكَلْتُ وَشَرِبْتُ وَدَخَلْتُ وَخَرَجْتُ وَنَحْوُهُ، وَهُوَ صَادِقٌ، وَيُثْبَتُ مَا فِيهِ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَابْنُ زَيْدٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ مِنَ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ فَيَنْسَخُهُ وَيُبَدِّلُهُ، وَيُثْبِتُ مَا يَشَاءُ فَلَا يَنْسَخُهُ، وَجُمْلَةُ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ عِنْدَهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ، وَنَحْوُهُ ذَكَرَهُ النَّحَّاسُ وَالْمَهْدَوِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ النَّحَّاسُ: وَحَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ،" يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشاءُ" يَقُولُ: يُبَدِّلُ اللَّهُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا يَشَاءُ فَيَنْسَخُهُ،" وَيُثْبِتُ" مَا يَشَاءُ فَلَا يُبَدِّلُهُ،" وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ" يَقُولُ: جُمْلَةُ ذَلِكَ عِنْدَهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ، النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَيْضًا: يَغْفِرُ مَا يَشَاءُ- يَعْنِي- مِنْ ذُنُوبِ عِبَادِهِ، وَيَتْرُكُ مَا يَشَاءُ فَلَا يَغْفِرُهُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: يَمْحُو مَا يَشَاءُ- يَعْنِي بِالتَّوْبَةِ- جَمِيعَ الذُّنُوبِ وَيُثْبِتُ بَدَلَ الذُّنُوبِ حَسَنَاتٍ [قَالَ تَعَالَى] «٢»:" إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً" «٣» [الفرقان: ٧٠] الآية. وقال
(١). راجع ج ٧ ص ٢٠١.(٢). الزيادة من" البحر المحيط".(٣). راجع ج ١٣ ص ٧٧.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute