يَحْفَظُونَهُمْ، فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ لَمْ يُغْنُوا عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ، وَكَذَلِكَ قَالَ الضَّحَّاكُ: هُوَ السُّلْطَانُ الْمُتَحَرِّسُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، الْمُشْرِكُ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ فِي الْكَلَامِ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ نَفْيًا مَحْذُوفًا، تَقْدِيرُهُ: لَا يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. قَالَ الْمَهْدَوِيُّ: وَمَنْ جَعَلَ الْمُعَقِّبَاتِ الْحَرَسَ فَالْمَعْنَى: يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ عَلَى ظَنِّهِ وَزَعْمِهِ. وَقِيلَ: سَوَاءٌ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ فَلَهُ حُرَّاسٌ وَأَعْوَانٌ يَتَعَاقَبُونَ عَلَيْهِ فَيَحْمِلُونَهُ عَلَى الْمَعَاصِي، وَيَحْفَظُونَهُ مِنْ أَنْ يَنْجَعَ فِيهِ وَعْظٌ، قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَهَذَا لَا يَمْنَعُ الرَّبَّ مِنَ الْإِمْهَالِ إِلَى أَنْ يُحِقَّ الْعَذَابَ، وَهُوَ إِذَا غَيَّرَ هَذَا الْعَاصِي مَا بِنَفْسِهِ بِطُولِ الْإِصْرَارِ فَيَصِيرُ ذَلِكَ سَبَبًا لِلْعُقُوبَةِ، فَكَأَنَّهُ الَّذِي يُحِلُّ الْعُقُوبَةَ بِنَفْسِهِ، فَقَوْلُهُ:" يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ" أَيْ مِنَ امْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ: الْمُعَقِّبَاتُ مَا يَتَعَاقَبُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَضَائِهِ فِي عِبَادِهِ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَمَنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ فَفِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ:" يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ" وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا- يَحْفَظُونَهُ مِنَ الْمَوْتِ مَا لَمْ يَأْتِ أَجَلٌ، قَالَهُ الضَّحَّاكُ. الثَّانِي- يَحْفَظُونَهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْهَوَامِّ الْمُؤْذِيَةِ، مَا لَمْ يَأْتِ قَدَرٌ،- قَالَهُ أَبُو أُمَامَةَ وَكَعْبُ الْأَحْبَارِ- فَإِذَا جَاءَ الْمَقْدُورُ خَلَّوْا عَنْهُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُعَقِّبَاتِ الْمَلَائِكَةُ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَاخْتَارَهُ النَّحَّاسُ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" يَتَعَاقَبُونَ «١» فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ" الْحَدِيثَ، رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ. وَرَوَى الْأَئِمَّةُ عَنْ عَمْرٍو عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَرَأَ-" مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَرُقَبَاءُ مِنْ خَلْفِهِ [مِنْ أَمْرِ اللَّهِ] «٢» يَحْفَظُونَهُ" فَهَذَا قَدْ بَيَّنَ الْمَعْنَى. وَقَالَ كِنَانَةُ الْعَدَوِيُّ: دَخَلَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَخْبِرْنِي عَنِ الْعَبْدِ كَمْ مَعَهُ مِنْ مَلَكٍ؟ قَالَ:" مَلَكٌ عَنْ يَمِينِكَ يَكْتُبُ الْحَسَنَاتِ وَآخَرُ عَنِ الشِّمَالِ يَكْتُبُ السَّيِّئَاتِ وَالَّذِي عَلَى الْيَمِينِ أَمِيرٌ عَلَى الَّذِي عَلَى الشِّمَالِ فَإِذَا عَمِلْتَ حَسَنَةً كُتِبَتْ عَشْرًا وَإِذَا عَمِلْتَ سَيِّئَةً قَالَ الَّذِي عَلَى الشِّمَالِ لِلَّذِي عَلَى الْيَمِينِ أَأَكْتُبُ قَالَ لَا لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى أَوْ يَتُوبُ إِلَيْهِ فَإِذَا قَالَ ثَلَاثًا قَالَ نعم اكتب أراحنا الله تعالى منه
(١). الحديث في ابن عطية:" يتعاقب فيكم ملائكة" والبحث في رواية القرطبي سندا ومتنا في العسقلاني ج ٢ ص ٢٨.(٢). الزيادة من تفسير الطبري.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute