وقد قدمنا أمثلة متعددة لحروف التعليل في الآيات القرآنية الدالة على العلل الغائية المشتملة على مصالح العباد، وهو أمر معلوم عند من له علم بحكم التشريع الإسلامي.
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين عن رب العالمين بعد أن ذكر قول من منع القياس مطلقًا، وقول من غلا فيه، وذكر أدلة الفريقين ما نصه:
قال المتوسطون بين الفريقين: قد ثبت أن الله سبحانه قد أنزل الكتاب والميزان؛ فكلاهما في الإنزال أخوان، وفي معرفة الإحكام شقيقان، وكما لا يتناقض الكتاب في نفسه، فالميزان الصحيح لا يتناقض في نفسه، ولا يتناقض الكتاب والميزان، فلا تتناقض دلالة النصوص الصحيحة ولا دلالة الأقيسة الصحيحة، ولا دلالة النص الصريح والقياس الصحيح؛ بل كلها متصادقة متعاضدة متناصرة، يصدق بعضها بعضًا ويشهد بعضها لبعض، فلا يناقض القياس الصحيح، النص الصحيح أبدًا.
ونصوص الشارع نوعان: أخبار، وأوامر، فكما أن أخباره لا تخالف العقل الصحيح، بل هي نوعان: نوع يوافقه ويشهد على ما يشهد به جملة، أو جملة وتفصيلًا. ونوع يعجز عن الاستقلال بإدراك تفصيله وإن أدركه من حيث الجملة. فهكذا أوامره سبحانه نوعان: نوع يشهد به القياس والميزان، ونوع لا يستقل بالشهادة به ولكن لا يخالفه.
وكما أن القسم الثالث في الأخبار محال وهو ورودها بما