للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فمن ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي بكرة رضي الله عنه: من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان" فالنبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث الصحيح نهى عن الحكم في وقت الغضب، ولا يشك عاقل أنه خص وقت الغضب بالنهي دون وقت الرضا؛ لأن الغضب يشوش الفكر فيمنع من استيفاء النظر في الحكم؛ فيكون ذلك سببًا لضياع حقوق المسلمين. فيلزم على قول الظاهرية كما قدمنا إيضاحه: أن النهي يختص بحالة الغضب ولا يتعداها إلى غيرها من حالات تشويش الفكر المانعة من استيفاء النظر في الحكم. فلو كان القاضي في حزن مفرط يؤثر عليه تأثيرًا أشد من تأثير الغضب بأضعاف، أو كان في جوع أو عطش مفرط يؤثر عليه أعظم من تأثير الغضب؛ فعلى قول الظاهرية فحكمه بين الناس في تلك الحالات المانعة من استيفاء النظر في الحكم عفو جائز؛ لأن الله سكت عنه في زعمهم، فيكون الله قد عفا للقاضي عن التسبب في إضاعة حقوق المسلمين التي نصبه الإمام من أجل صيانتها وحفظها من الضياع، مع أن تنصيص النبي - صلى الله عليه وسلم - على النهي عن الحكم في حالة الغضب دليل واضح على المنع من الحكم في حالة تشويش الفكر تشويشًا كتشويش الغضب أو أشد منه كما لا يخفى على عاقل!! فانظر عقول الظاهرية وقولهم على الله ما يقتضي أنه أباح للقضاة الحكم في حقوق المسلمين في الأحوال المانعة من القدرة على استيفاء النظر في الأحكام، مع نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - الصريح عن ذلك في صورة من صوره وهي الغضب؛ بزعمهم أنهم واقفون مع النصوص.

ومن ذلك قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ