للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لطابق السنة أعظم مطابقة، ولم يخالف أصحابه حديثًا واحدًا منها، ولكانوا أسعد بها من أهل الحديث. فَلْيُرُوا أهلَ الحديث والأثر حديثًا واحدًا صحيحًا قد خالفوه. كما أريناهم آنفًا ما خالفوه من السنة بجريرة القياس.

قالوا: وقد أخذ الله الميثاق على أهل الكتاب وعلينا بعدهم: ألا نقول على الله إلا بالحق؛ فلو كانت هذه الأقيسة المتعارضة المتناقضة التي ينقض بعضها بعضًا بحيث لا يدري الناظر فيها أيها الصواب حقًّا؛ لكانت متفقة يصدق بعضها بعضًا كالسنة التي يصدق بعضها بعضًا، وقال تعالى: {وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ} لا بآرائنا ولا مقاييسنا، وقال: {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (٤)} فما لم يقله سبحانه ولا هدى إليه فليس من الحق، وقال تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ} فقسم الأمور إلى قسمين لا ثالث لهما: اتباع لما دعا إليه الرسول - صلى الله عليه وسلم -، واتباع الهوى.

قالوا: والرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يَدْع أمته إلى القياس قط، بل قد صح عنه أنه أنكر على عمر وأسامة محض القياس في شأن الحلتين اللتين أرسل بهما إليهما فلبسها أسامة قياسًا للبس على التملك والانتفاع والبيع، وكسوتها لغيره، وردها عمر قياسًا لتملكها على لبسها. فأسامة أباح، وعمر حرم قياسًا؛ فأبطل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كل واحد من القياسين. وقال لعمر: "إنما بعثت بها إليك لتستمتع بها". وقال لأسامة: "إني لم أبعث إليك بها لتلبسها ولكن بعثتها إليك لتشقها خمرًا لنسائك"، والنبي - صلى الله عليه وسلم - إنما تقدم إليهم في الحرير بالنص على تحريم لبسه فقط، فقاسا قياسًا أخطآ فيه؛ فأحدهما قاس اللبس على الملك، وعمر قاس التملك على اللبس، والنبي