ومرة بنفسه، {وَحِينَ الْبَأْسِ}، أي: وقت شدة القتال في الحرب. {أُولَئِكَ} أي: خاصة، الذين علت هممهم، وعظمت أخلاقهم وشيمهم، {الَّذِينَ صَدَقُوا} فيما ادعوه من الإيمان, ففيه إشعار بأن من لم يفعل أفعالهم، لم يصدق في دعواه.
{وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} الذين اتقوا عقاب الله، فتجنبوا عصيانه، وحذروا وعده، فلم يتعدوا حدوده، وخافوه فقاموا بأداء فرائضه.
أصل الكتابة الخط الذي يقرأ، وعبر به هنا عن معنى الإلزام والإثبات، أي: فرض وأثبت, لأن ما كتب جدير بثبوته وبقائه، وهذا المعنى موجود في كلام العرب، ومستفيض في أشعارهم، ومنه قول الشاعر (١):
كُتِبَ القَتْلُ والقِتَال عَلَيْنا ... وعلى المُحْصَنات جَرُّ الذيولِ
وقول النابغة الجعدي:
يا بنتَ عَمّي كتابُ اللهِ أخرَني ... عنكم فهل أمنعنَّ الله ما فعَلا (٢)؟ !
ويأتي {كُتِبَ} بمعنى أمر، كقوله تعالى حكاية:{يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}[المائدة: ٢١] ويشهد لأن {كُتِبَ} هنا بمعنى: فرض، أن لفظة "على" تشعر بالوجوب، كقوله تعالى:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}[البقرة: ١٨٣] ,
(١) هو عمر بن أبي ربيعة كما في "الكامل" للمبرد ٣/ ١١٧١، والأغاني ٩/ ٢٢٠ عند ذكر الحارث بن خالد بعد ذكر قيس بن ذريح. (٢) أساس البلاغة للزمخشري، صفحة ٥٣٥. وهو في "شعر النابغة الجعدي" ص ١٩٤، طبع المكتب الإِسلامي: يا ابنةَ عمي كتابُ الله أخرَجَني ... كرهًا وهل أمنعنَّ الله ما فعلا وهي هنا: "أَخرني" خلافًا للطبري. قال شاكر: وفي "الأساس": "أخّرني"، فأخشى أن تكون خطأ من ناسخ.