والقول بأنه سنة، رواية عن الإمام أحمد، نقلها العلامة محمد بن مفلح المقدسي الحنبلي، في كتابه المسمى "بالفروع" فقال في عدّ أركان الحج: السعي ركن وعنه، أي: الإمام أحمد، يجبره دم، وعنه سنة.
وقال إمام الحنابلة في زمنه القاضي أبو يعلى ابن الفراء في كتابه "التعليق الكبير": السعي ركن في الحج، لا ينوب عنه الدم، في أصح الروايتين، وفيه رواية أخرى، يعني: للإمام أحمد، ليس بركن، وقال أبو حنيفة: يجب بتركه دم. انتهى.
واستدل أصحاب القول الأول، بما رواه الإمام أحمد في "المسند" بسنده إلى حبيبة بنت أبي تَجْرَاة (١)، إحدى نساء بني عبد الدار، قالت: نظرت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو يسعى بين الصفا والمروة، فرأيته يسعى، وإن مئزره ليدور من شدة السعي، حتى لأقول: إني لأرى ركبتيه، وسمعته يقول:
"اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي"(٢). ورواه الشافعي أيضًا، وصححه الدارقطني.
وبما رواه الإمام أحمد عن صفية بنت شيبة، أن امرأة أخبرتها أنها سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الصفا والمروة يقول:
"كتب عليكم السعي فاسعوا".
قلت: المرأة المجهولة هنا حبيبة المتقدمة كما صرح به الشافعي في مسنده.
وحجتهم أن قوله:"اسعوا" أمر، والأمر للوجوب.
واستدل أصحاب القول بان السعي سنة بهذه الآية، فقال: إنها تقتضي أن
(١) في الأصل- تبعًا لمطبوعة "المسند"-: تجزئة. والتصحيح من "الإصابة" ٤/ ٢٦٩، و"توضيح المشتبه" لابن ناصر الدين ١/ ١٨٦. (٢) حديث صحيح كما في "إرواء الغليل" ١٠٧٢، و"مسند الإمام أحمد" ٦/ ٤٢١ وهو في الرقم ٢٧٣٥٦ و ٢٧٣٥٧ من الطبعة الجديدة لدى المكتب الإسلامي.