[المبحث الثامن: دراسة فقه المصنف من خلال تراجم أبوابه]
لم تقف شخصية أبي عوانة عند معرفة الحديث وحفظه وروايته، بل اتسعت دائرته العلمية إلى ما هو أكثر من ذلك، فقد كان مع حفظه ﵀ فقيها مجتهدا، ولا شك أن هذا يعد من الخصال العزيزة التي قل أن تجتمع في عالم واحد، أعني الجمع بين الفقه والحديث على وجه التوسع، حتى قال الإمام الشافعي ﵀ لأحد تلامذته:"تريد أن تحفظ الحديث وتكون فقيها؟ هيهات، ما أبعدك من ذلك"(١).
قال البيهقي ﵀ معلِّقًا على قولِ الشافعي: إنما أراد به حفظه على رسم أهل الحديث، من حفظ الأبواب والمذاكرة بها وذلك علم كثير، إذا اشتغل به فربما لم يتفرغ إلى الفقه .. " (٢).
لكن الله ﵎ قد منّ بهذا على خلق من عباده، كان منهم الحافظ أبو عوانة ﵀.
وقد مرَّ الإمام أبو عوانة ﵀ بمراحل في تعلم الفقه والإمامة فيه.
فأما المرحلة الأولى: فهى التفقه بفقه الشافعي وأخذه عن كبار أصحاب الشافعي، فسمع كتب الشافعي من إسماعيل بن يحيى المزني (٣)
(١) مناقب الشافعي للبيهقي (٢/ ١٥٢). (٢) المصدر نفسه. (٣) انظر: ترجمته في السير (١٢/ ٤٩٢).