قال:(فَاعْمَلْ من وراء الْبِحَارِ، فإن اللَّه لن يَتِرَكَ من عملك شَيْئًا)(١)، فالرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- يحذره شدة الهجرة ومفارقة الأهل والوطن، ثم سأله عن الزكاة ولم يسأل عن غيرها من الأعمال؛ لأن حرص النفوس على المال أشد من حرصها على الأعمال البدنية، ثم قال له: اعمل من وراء البحار مبالغة في إعلامه بأن عمله لا يضيع في أي موضع كان (٢).
كما دل على بقاء مشروعية الهجرة إلى غير مكة المكرمة أدلة منها:
ما رواه معاوية -رضي اللَّه عنه- قال: سمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول:(لا تَنْقَطِعُ الهجرة حتى تَنْقَطِعَ التَّوْبَةُ ولا تَنْقَطِع التَّوْبَةُ حتى تَطْلُعَ الشَّمْسُ من مَغْرِبِهَا)(٣).
وعن عبد اللَّه بن السعدي قال وفدنا على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فدخل أصحابي فقضى حاجتهم وكنت آخرهم دخولا، فقال: حاجتك، فقلت: يا رسول اللَّه متى تنقطع الهجرة؟ قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار)، وفي رواية عند أحمد:(لا تنقطع الهجرة ما دام العدو يقاتل)(٤).
كما يمكن أن يستدل على بقاء مشروعية الهجرة الأحاديث الواردة في الحث على الهجرة إلى الشام، كقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (ستكون هجرة بعد هجرة، فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر
(١) أخرجه البخاري، كتاب المناقب، باب هجرة النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأصحابه، رقم: ٥٨١٣، ومسلم، كتاب الإمارة، باب المبايعة بعد فتح مكة على الإسلام والجهاد، رقم: ١٨٦٥. (٢) انظر: فتح الباري، ٧/ ٢٥٩، وعمدة القاري، ٢٢/ ١٩٥. (٣) أخرجه أبو داود، كتاب الجهاد، باب في الهجرة هل انقطعت، رقم: ٢٤٧٩، وأحمد، ٤/ ٩٩، رقم: ١٦٩٥٢. (٤) أخرجه النسائي، كتاب البيعة، باب ذكر الاختلاف في انقطاع الهجرة، رقم: ٧٧٩٦، وأحمد، ١/ ١٩٢، رقم: ١٦٧١، وصحيح ابن حبان، ١١/ ٢٠٧، رقم: ٤٨٦٦، قال مجمع الزوائد، ٥/ ٢٥١: "رواه النسائي باختصار رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح".