وقد جمع عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - حديثه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صحيفة سماها:"الصادقة"، وقد روى عنه مجاهد أنه قال - رضي الله عنه -: (مَا يُرَغِّبُنِي فِي الْحَيَاةِ إِلَّا الصَّادِقَةُ وَالْوَهْطُ، فَأَمَّا الصَّادِقَةُ فَصَحِيفَةٌ كَتَبْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَأَمَّا الْوَهْطُ فَأَرْضٌ تَصَدَّقَ بِهَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ - رضي الله عنه - كَانَ يَقُومُ عَلَيْهَا)(١).
ولم يكن عبد الله بن عمرو بن العاض - رضي الله عنهما - هو الذي يكتب الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقط، بل كان يكتب عنه غيره من الصحابة - رضي الله عنهم -، ومما يدل على ذلك:
١ - حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، فقد جاء عن أبي جُحيفة قال:(قُلْتُ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: هَلْ عِنْدَكُمْ كِتَابٌ؟ قَالَ: لَا، إِلَّا كِتَابُ اللَّهِ أَوْ فَهْمٌ أُعْطِيَهُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ أَوْ مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ. قَالَ: قُلْتُ: فَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ؟ قَالَ: العَقْلُ (٢) وَفَكَاكُ الأَسِيرِ (٣) وَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ) (٤).
٢ - حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - نفسه قال:(بَيْنَمَا نَحْنُ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَكْتُبُ إِذْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: أَيُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلًا: قُسْطَنْطِينِيَّةُ أَوْ رُومِيَّةُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: لَا، بَلْ مَدِينَةُ هِرَقْلَ أَوَّلًا)(٥).
(١) سنن الدارمي، المقدمة، باب من رخص في كتابة العلم (١/ ٤٣٦)، رقم (٥١٣)، والمحدث الفاصل بين الراوي والواعي للرامهرمزي (ص:٣٦٦ - ٣٦٧)، وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر، باب ذكر الرخصة في كتاب العلم (١/ ٣٠٥ - ٣٠٦)، رقم (٣٩٤)، وتقييد العلم للخطيب البغدادي (ص:٨٤). وقال محقق سنن الدارمي -حسين سليم أسد الداراني-: «إسناده ضعيف». سنن الدارمي (١/ ٤٣٦). (٢) العَقْلُ هو: الدية، وأصله: أن القاتل كان إذا قتل قتيلًا جمع الدية من الإبل فعقلها بفناء أولياء المقتول، أي: شدَها في عقلها؛ ليسلمها إليهم ويقبضوها منه، فسميت الدية: "عقْلًا" بالمصدر. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير (٣/ ٢٧٨). (٣) (فَكَاكُ الأَسِيرِ) قال الحافظ ابن حجر: «والمعنى: أن فيها حكم تخليص الأسير من يد العدو والترغيب في ذلك». فتح الباري لابن حجر (١/ ٢٤٧). (٤) صحيح البخاري، كتاب العلم، باب كتابة العلم (١/ ٣٣)، رقم (١١١). (٥) مسند أحمد (١١/ ٢٢٤ - ٢٢٥)، رقم (٦٦٤٥)، وسنن الدارمي، المقدمة، باب من رخص في كتابة العلم (١/ ٤٣٠)، رقم (٥٠٣)، والمعجم الكبير للطبراني (١٣/ ٦٨)، رقم (١٦٦)، والمستدرك للحاكم، كتاب الفتن والملاحم (٤/ ٤٦٨)، رقم (٨٣٠١)، و (٤/ ٥٥٣)، رقم (٨٥٥٠). وقال الحاكم عن روايته الأولى للحديث: «صحيح على شرط الشيخين»، وقال الذهبي تعليقًا على قول الحاكم هذا: «على شرط البخاري ومسلم». المستدرك للحاكم (٤/ ٤٦٨). وقال الحاكم عن روايته الثانية للحديث: «هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه»، وقال الذهبي تعليقًا على قول الحاكم هذا: «صحيح». المستدرك للحاكم (٤/ ٥٥٣). وقال الألباني موافقًا للحاكم والذهبي في تصحيحهما للحديث: «وهو كما قالا». سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها للألباني "المشهور بـ: السلسلة الصحيحة" (١/ ٣٣)، رقم (٤). وقال محققو مسند أحمد -شعيب الأرناؤوط وعادل مرشد وآخرون-: «إسناده ضعيف». مسند أحمد (١١/ ٢٢٥)، حاشية رقم (١).