قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَمّا الْقَاسِمُ وَالطّيّبُ وَالطّاهِرُ فَهَلَكُوا فِي الْجَاهِلِيّةِ. وَأَمّا بَنَاتُهُ فَكُلّهُنّ أَدْرَكْنَ الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمْنَ وهاجرن مَعَه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ــ
فَلَوْ كَانَ عَاشَ حَتّى يَسْتَكْمِلَ رَضَاعَهُ لَهَوّنَ عَلَيّ فَقَالَ إنّ لَهُ مُرْضِعًا فِي الْجَنّةِ تَسْتَكْمِلُ رَضَاعَتَهُ فَقَالَتْ لَوْ أَعْلَمُ ذَلِكَ لَهَوّنَ عَلَيّ فَقَالَ إنْ شِئْت أَسَمِعْتُك صَوْتَهُ فِي الْجَنّةِ. فَقَالَتْ بَلْ أُصَدّقُ اللهَ وَرَسُولَهُ. قَوْلُهَا، لُبَيْنَةُ هِيَ تَصْغِيرٌ لَبَنَةٍ وَهِيَ قِطْعَةٌ مِنْ اللّبَنِ كَالْعُسَيْلَةِ تَصْغِيرُ عَسَلَةٍ ذَكَرَ سِيبَوَيْهِ اللّبَنَةَ وَالْعَسَلَةَ وَالشّهْدَةَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى. قَالَ الْمُؤَلّفُ وَهَذَا مِنْ فِقْهِهَا - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - كَرِهَتْ أَنْ تُؤْمِنَ بِهَذَا الْأَمْرِ مُعَايَنَةً فَلَا يَكُونُ لَهَا أَجْرُ التّصْدِيقِ وَالْإِيمَانِ بِالْغَيْبِ وَإِنّمَا أَثْنَى اللهُ تَعَالَى عَلَى الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلّ أَيْضًا عَلَى أَنّ الْقَاسِمَ لَمْ يَهْلِكْ فِي الْجَاهِلِيّةِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الصّغْرَى وَالْكُبْرَى مِنْ الْبَنَاتِ غَيْرَ أَنّ أُمّ كُلْثُومٍ لَمْ تَكُنْ الْكُبْرَى مِنْ الْبَنَاتِ وَلَا فَاطِمَةَ وَالْأَصَحّ فِي فَاطِمَةَ أَنّهَا أَصْغَرُ مِنْ أُمّ كُلْثُومٍ١.
خَدِيجَةُ وَبَحِيرَى وَنَسَبُهَا:
وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ تُسَمّى: الطّاهِرَةَ فِي الْجَاهِلِيّةِ وَالْإِسْلَامِ وَفِي سِيَرِ التّيْمِيّ. أَنّهَا كَانَتْ تُسَمّى: سَيّدَةَ نِسَاءِ قُرَيْشٍ، وَأَنّ النّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ أَخْبَرَهَا عَنْ جِبْرِيلَ وَلَمْ تَكُنْ سَمِعَتْ بِاسْمِهِ قَطّ، رَكِبَتْ إلَى بَحِيرَى الرّاهِبِ، وَاسْمُهُ سَرْجِسُ٢ فِيمَا ذَكَرَ الْمَسْعُودِيّ، فَسَأَلَتْهُ عَنْ جِبْرِيلَ فَقَالَ قُدّوسٌ قُدّوسٌ يَا سَيّدَةَ نِسَاءِ قُرَيْشٍ أَنّى لَك بِهَذَا الِاسْمِ؟ فَقَالَتْ بَعْلِي وَابْنُ عَمّي مُحَمّدٌ أَخْبَرَنِي أَنّهُ يَأْتِيه، فَقَالَ قُدّوسٌ قُدّوسٌ مَا عَلِمَ بِهِ إلّا نَبِيّ مُقَرّبٌ فَإِنّهُ السّفِيرُ بَيْنَ اللهِ وَبَيْنَ أَنْبِيَائِهِ وَإِنّ الشّيْطَانَ لَا يَجْتَرِئُ
١ فِي "نسب قُرَيْش" ص٢١: فولد لرَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَاسِم، وَهُوَ أكبر وَلَده، ثمَّ زَيْنَب، ثمَّ عبد الله، ثمَّ أم كُلْثُوم، ثمَّ فَاطِمَة، ثمَّ رقية.٢ استغلت الصليبية هَذَا الْإِفْك المفترى، فبهتت القديسة الْعَظِيمَة خَدِيجَة بِأَنَّهَا كَانَت على صلَة بِهَذَا الراهب المزعوم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute