فَنَشَرَ حَدِيثَهُ وَقَرَأَ لِلنَّاسِ رِوَايَتَهُ، ثُمَّ تَلَاهُ ابْنُ وَضَّاحٍ، فَصَارَتِ، الْأَنْدَلُسُ دَارَ حَدِيثٍ وَإِسْنَادٍ (١).
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ الْمَذْكُورُ فِي " تَارِيخِهِ ": كَانَ بَقِيٌّ طُوَالًا أَقْنَى (٢) ذَا لِحْيَةٍ مُضَبَّرًا (٣) قَوِيًّا جَلْدًا عَلَى الْمَشْيِ، لَمْ يُرِ رَاكِبًا دَابَّةً قَطُّ، وَكَانَ مُلَازِمًا لِحُضُورِ الْجَنَائِزِ، مُتَوَاضِعًا، وَكَانَ يَقُولُ إِنِّي لَأَعْرِفُ رَجُلًا، كَانَ تَمْضِي عَلَيْهِ الْأَيَّامُ فِي وَقْتِ طَلَبِهِ الْعِلْمَ، لَيْسَ لَهُ عَيْشٌ إِلَّا وَرَقُ الْكُرُنْبِ الَّذِي يُرْمَى، وَسَمِعْتُ مِنْ كُلِّ مَنْ سَمِعْتُ مِنْهُ فِي الْبُلْدَانِ مَاشِيًا إِلَيْهِمْ عَلَى قَدَمِي (٤).
قَالَ ابْنُ لُبَابَةَ الْحَافِظُ: كَانَ بَقِيٌّ مِنْ عُقَلَاءِ النَّاسِ وَأَفَاضِلِهِمْ، وَكَانَ أَسْلَمُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يُقَدِّمُهُ عَلَى جَمِيعِ مَنْ لَقِيَهُ بِالْمَشْرِقِ، وَيَصِفُ زُهْدَهُ، وَيَقُولُ: رُبَّمَا كُنْتُ أَمْشِي مَعَهُ فِي أَزِقَّةِ قُرْطُبَةَ، فَإِذَا نَظَرَ فِي مَوْضِعٍ خَالٍ إِلَى ضَعِيفٍ مُحْتَاجٍ أَعْطَاهُ أَحَدَ ثَوْبَيْهِ.
وكان برنامجه اليومي حَسْبَ روايةِ حفيدِه عبدَالرحمن -رحمهم الله- يُقسِّم أَيَّامَهُ عَلَى أَعْمَالِ الْبِرِّ: فَكَانَ إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ قَرَأَ حِزْبَهُ مِنَ الْقُرْآنِ فِي الْمُصْحَفِ، سُدُسَ الْقُرْآنِ، وَكَانَ أَيْضًا يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي الصَّلَاةِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَيَخْرُجُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي الثُّلُثِ الْأَخِيرِ إِلَى مَسْجِدِهِ، فَيَخْتِمُ قُرْبَ انْصِدَاعِ الْفَجْرِ.
(١) سير أعلام النبلاء (ج ١٣ ص ٢٨٩).(٢) الأقنى من الأنوف: الذي ارتفع أعلاه واحدودب وسطه وضاق منخراه.(٣) المُضَّبّر: مكتنز اللحم.(٤) سير أعلام النبلاء (ج ١٣ ص ٢٩٢).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute