للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صلى الله عليه وسلم لما أمر الله باعتزال النساء في المحيض لأنه إذا انشغل القبل بالحيض جاز إتيانهن في الدبر، ومما يدل على حرمة ذلك أيضاً سبب النزول الذي سبق ذكره من حديث عمر وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال له بعد نزول الآية: "أقبل وأدبر واتقِ الدبر والحيضة" (١).

كما يدل على حرمة ذلك قوله-عز وجل-: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: ٢٢٣] فإن كلمة (حَرْثَ) تدل على أن الإباحة لم تقع إلا في موضع الحرث فقط، وهو مزرع الذرية. يقول ابن عطية في كلام له نفيس ما نصه: "وقوله: {أَنَّى شِئْتُم} معناه عند جمهور العلماء من صحابة وتابعين وأئمة: من أي وجهة شئتم، مقبلة ومدبرة وعلى جنب، و (أَنَّى) إنما تجيء سؤالاً أو إخباراً عن أمر له جهات، فهي أعم في اللغة من كيف ومن أين ومن حتى، هذا هو الاستعمال العربي، وقد فسر الناس (أَنَّى) في هذه الآية بهذه الألفاظ، وفسرها سيبويه بـ (كيف) (٢) ومن أين باجتماعهما، وذهبت فرقة ممن فسرها بأين إلى أن الوطء في الدبر جائز روي ذلك عن عبد الله بن عمر، وروي عنه خلافه وتكفير من فعله، وهذا هو اللائق به، ورويت الإباحة أيضاً عن ابن أبي مليكة ومحمد بن المنكدر، ... وروي عن مالك شيء في نحوه ... وقد كذب ذلك على مالك .... " (٣).

ثم ذكر أحاديث في حرمة إتيان المرأة في دبرها ثم قال: "وهذا هو الحق المتبع، ولا ينبغي لمؤمن بالله واليوم الآخر أن يعرج في هذه النازلة على زلة عالم بعد أن اتضح عنه-أي: النبي صلى الله عليه وسلم-حرمة ذلك، والله المرشد لا رب غيره" (٤).

قوله تعالى: {وَقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ} [البقرة: ٢٢٣]، أي "قدموا صالح الأعمال التي تكون لكم ذخرا في الآخرة" (٥).

قال القرطبي: " أي قدموا ما ينفعكم غدا" (٦).

وقد اختلف أهل التفسير في معنى قوله تعالى: {وَقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ} [البقرة: ٢٢٣] (٧):

١ - عن السدي: أما قوله: " وقدموا لأنفسكم "، فالخيرَ" (٨).

٢ - وعن ابن عباس: " وقدموا لأنفسكم قال: يقول: " بسم الله "، التسمية عند الجماع" (٩).

قاله"ابن عباس وعطاء" (١٠) وابن كثير (١١).

وقد ثبت في صحيح البخاري، عن ابن عباس قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله قال: باسم الله، اللهم جَنِّبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره الشيطان أبدًا" (١٢).

٣ - وقيل ابتغاء الولد والنسل، لأن الولد خير الدنيا والآخرة، فقد يكون شفيعا وجنة.

٤ - . وقيل: هو التزوج بالعفائف، ليكون الولد صالحا طاهرا.


(١) رواه أحمد في المسند: ٢٧٠٣ عن شيخه حسن بن موسى الأشيب بهذا الإسناد وقد خرجناه هناك. ونزيد أنه رواه أيضًا ابن حبان في صحيحه ٦: ٣٦٤ - ٣٦٥ (مخطوطة الإحسان) والبيهقي ٧: ١٩٨.
(٢) الكتاب: ٤/ ٢٣٥.
(٣) المحرر الوجيز: ٢/ ١٨٣ - ١٨٤.
(٤) المحرر الوجيز: ٢/ ١٨٣ - ١٨٤.
(٥) صفوة التفاسير: ٤/ ٣٩٧.
(٦) تفسير القرطبي: ٣/ ٩٦.
(٧) تفسير الطبري: ٤/ ٤١٦ وما بعدها.
(٨) تفسير الطبري: ٤/ ٤١٧. عن موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي.
(٩) تفسير الطبري: ٤/ ٤١٧. عن القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني محمد بن كثير، عن عبد الله بن واقد، عن عطاء - قال: أراه عن ابن عباس.
(١٠) اتظر: تفسير القرطبي: ٣/ ٩٦.
(١١) تفسير ابن كثير: ١/ ٥٨٩.
(١٢) صحيح البخاري برقم (١٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>