يقول السخاوي:"وفيه أيضا التسوية بينه وبين موسى عليه السلام في إنزال كتابه جملة، والتفضيل لمحمد صلى الله عليه وسلم في إنزاله عليه منجما ليحفظه. قال الله عز وجل:{كذلك لنثبت به فؤادك}[الفرقان: ٣٢] وقال عز وجل: {سنقرئك فلا تنسى}[الأعلى: ٦] "(١).
[وقت نزول القرآن الكريم]
أكثر نزول القرآن الكريم نهارا حضرا، وقد نزل يسير منه في السفر وقليل منه في الليل.
١ - الآيات والسور المتفق على نزولها ليلاً:
لقد تتبع العلماء ذلك فذكروا ما وقفوا عليه منه، فمن ذلك:
أولاً: أواخرُ آلِ عمران:
عن عائشةَ رضي الله عنها أنَّ بلالاً أتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُؤْذِنه لصلاةِ الصبح فوجده يبكي فقال: يا رسول الله ما يُبكيك؟ قال:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}[آل عمران: ١٩٠] إلى قوله: {سبحانك فقنا عذاب النار}. ثم قال:{وَيْلٌ لمن قَرَأَهَا ولَمْ يَتَفَكَرْ فِيْهَا}" (٢).
وعن إبراهيم بن سويد النخعي حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء قال: دخلت أنا وعبيد ابن عمير على عائشة رضي الله عنها فقال عبد الله بن عمير: حدثينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فبكت وقالت: قام ليلة من الليالي فقال: " يا عائشة! ذريني أتعبد لربي "، قالت: قلت: والله إني لأحب قربك وأحب ما يسرك قالت: فقام فتطهر ثم قام يصلي فلم يزل يبكي حتى بل حجره، ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل الأرض، وجاء بلال يؤذنه بالصلاة فلما رآه يبكي قال: يا رسول الله! تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ ! قال: " أفلا أكون عبدا شكورا؟ لقد نزلت علي الليلة آيات ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}[آل عمران: ١٩٠]" (٣).
فهذه الروايات الصحيحة تؤكد نزول هذه الآيات ليلاً على النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ثانياً: آيات الثلاثة الذين خلفوا من سورة التوبة:
فقد جاء عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ ـ وَهُوَ أَحَدُ الثَّلاثَةِ الَّذِينَ تِيبَ عَلَيْهِمْ ـ قال: " فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَوْبَتَنَا عَلَى نَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ بَقِيَ الثُّلُثُ الْآخِرُ مِنْ اللَّيْلِ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ، وَكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ مُحْسِنَةً فِي شَأْنِي، مَعْنِيَّةً فِي أَمْرِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: " يَا أُمَّ سَلَمَةَ تِيبَ عَلَى كَعْبٍ، قَالَتْ: أَفَلا أُرْسِلُ إِلَيْهِ فَأُبَشِّرَهُ؟
(١)? جمال القراء للسخاوي (١/ ٢٠). وانظر ما استحسنه أبو شامة فنقله من كلام للحكيم الترمذي في تفسيره بهذا الشأن. المرشد الوجيز (٢٦). (٢) أخرجه ابن حبَّان في صحيحه ح رقم ٦٢٠، وعزاه السيوطي في الدر المنثور (٣/ ١٧٦) "لعبد بن حميد، وابن أبي الدنيا في التفكر، وابن المنذر، وابن حبان في صحيحه، وابن مردويه، والأصبهاني في الترغيب، وابن عساكر، قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم. انظر: صحيح ابن حبان بأحكام الأرناؤوط (٢/ ١٣١). (٣) رواه ابن حبان في صحيحه ح رقم ٦٢٠، والمنذري في الترغيب والترهيب، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب ح رقم ١٤٦٨، وفي السلسلة الصحيحة ح رقم ٦٨.